يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ) أي يؤمنون بأن يوم الجزاء والحساب حقّ لا يشكّون في ذلك (وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ) أي خائفون (إِنَّ عَذابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ) أي لا يؤمن حلوله بمستحقيه وهم العصاة ، وقيل معناه : يخافون أن لا تقبل حسناتهم ويؤخذون بسيئاتهم (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ) يعني الذين يحفظون فروجهم عن المناكح على كل وجه وسبب إلّا على الأزواج أو ملك الأيمان من الإماء (فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ) على ترك حفظ الفروج عنهم (فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ) فمن طلب وراء ما أباحه الله له من الفروج فأولئك هم الذين تعدّوا حدود الله ، وخرجوا عما أباحه لهم ؛ ومعنى وراء ذلك : ما خرج عن حده من أيّ جهة كان (وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ راعُونَ) أي حافظون والأمانة : ما يؤتمن المرء عليه مثل الوصايا والودائع والحكومات ونحوها (وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهاداتِهِمْ قائِمُونَ) أي يقيمون الشهادات التي تلزمهم إقامتها ، والشهادة : الأخبار بالشيء انه على ما شاهدوه (وَالَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ) أي يحفظون أوقاتها وأركانها فيؤدّونها بتمامها ، ولا يضيّعون شيئا منها ، وروى زرارة عن أبي جعفر عليهالسلام قال : هذه الفريضة من صلّاها لوقتها ، عارفا بحقها ، لا يؤثر عليها غيرها ، كتب الله له بها براءة لا يعذّبه ، ومن صلّاها لغير وقتها ، مؤثرا عليها غيرها ، فإن ذلك إليه إن شاء غفر له ، وإن شاء عذّبه (أُولئِكَ) الذين وصفوا بهذه الصفات (فِي جَنَّاتٍ) أي بساتين يجنّها الشجر (مُكْرَمُونَ) معظمون مبجلون بما يفعل بهم من الثواب.
٣٦ ـ ٤٤ ـ ثم قال سبحانه على وجه الإنكار على الكفار (فَما لِ الَّذِينَ كَفَرُوا) يعني أيّ شيء للذين كفروا بتوحيد الله ، أي ما بالهم وما حملهم على ما فعلوا (قِبَلَكَ) أي عندك يا محمد (مُهْطِعِينَ) متطلعين بوجوههم لا يلتفتون عنك ، أي ناظرين إليك بالعداوة ، والمراد بالذين كفروا هنا المنافقون (عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ) أي عن يمينك وعن شمالك (عِزِينَ) أي جماعات متفرقين عصبة عصبة ، وجماعة جماعة (أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ) منهم أي من هؤلاء المنافقين (أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ) كما يدخل أولئك الموصوفون قبل هذا ، وإنما قال هذا لأنّهم كانوا يقولون : إن كان الأمر على ما قال محمد فإنّ لنا في الآخرة عند الله أفضل ممّا للمؤمنين كما أعطانا في الدنيا أفضل مما أعطاهم (كَلَّا) أي لا يكون ولا يدخلونها (إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ) أي من النطفة ، عن الحسن أي من كان أصله من هذا الماء المهين فكيف استوجب الجنة بأصله وبنفسه ، إنّما يستوجبها بالأعمال الصالحة. نبّه سبحانه بهذا على أن الناس كلهم من أصل واحد وإنما يتفاضلون بالإيمان والطاعة ، وتحقيقه : إنما خلقناهم من المقاذر والأنجاس فمتى يدخلون الجنة ولم يؤمنوا بي ، ولم يصدّقوا رسولي؟ وقيل معناه : خلقناهم من الجنس الذين يعلمون ، أو من الخلق الذين يعلمون ويفقهون ، ويلزمهم الحجة ، ولم نخلقهم من الجنس الذي لا يفقه كالبهائم والطير ، وقيل معناه : خلقناهم من أجل ما يعلمون من الثواب والعقاب ، والتكليف للطاعات تعريضا للثواب (فَلا أُقْسِمُ) قيل فيه وجوه (أحدها) ان يكون قوله لا ردّا لكلام المشركين ، فكأنه قال : ليس الأمر كما يقول المشركون ، أقسم بالأشياء كلها ما يبصر منها وما لا يبصر ، ويدخل فيها جميع المكونات (ثانيها) ان لا مزيدة مؤكّدة ، والتقدير فأقسم (وثالثها) انه نفي للقسم ومعناه : لا يحتاج إلى القسم لوضوح الأمر (رابعها) انه كقول القائل : لا والله لا أفعل ذلك ، ولا والله لأفعلن ذلك (بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ) يعني مشارق الشمس ومغاربها ، فإن لها ثلاثمائة وستين مطلعا ، لكل يوم مطلع لا تعود إليه إلى قابل عن ابن عباس (إِنَّا لَقادِرُونَ عَلى