يجري لأحد سواه فيه حكم ؛ جعل سبحانه عروجهم إلى ذلك الموصع عروجا إليه كقول إبراهيم عليهالسلام : (إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي) ، أي إلى الموضع الذي وعدني ربي (فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ) معناه : تعرج الملائكة إلى الموضع الذي يأمرهم الله به في يوم كان مقداره من عروج غيرهم خمسين ألف سنة ، وذلك من أسفل الأرضين إلى فوق السموات السبع ، وقوله في سورة السجدة : (فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ) ، هو لما بين السماء الدنيا والأرض في الصعود والنزول ، خمسمائة سنة في الصعود ، وخمسمائة سنة في النزول عن مجاهد ، والمراد أن الآدمين لو احتاجوا إلى قطع هذا المقدار الذي قطعته الملائكة في يوم واحد لقطعوه في هذه المدة ألف سنة (فَاصْبِرْ) يا محمد على تكذيبهم إياك (صَبْراً جَمِيلاً) لا جزع فيه ولا شكوى على ما تقاسيه (إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً وَنَراهُ قَرِيباً) أخبر سبحانه أنه يعلم مجيء يوم القيامة ، وحلول العقاب بالكفار قريبا ، ويظنه الكفار بعيدا لأنهم لا يعتقدون صحته ، وكلّ ما هو آت فهو قريب دان. ثم أخبر سبحانه أنه متى يقع العذاب بهم فقال (يَوْمَ تَكُونُ السَّماءُ كَالْمُهْلِ) أي مثل الصفر المذاب (وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ) أي كالصوف المنفوش ، يعني أنها تلين بعد الشدة ، وتتفرق بعد الاجتماع. قال الحسن : انها أولا تصير كثيبا مهيلا ، ثم تصير عهنا منفوشا ثم هباء منثورا (وَلا يَسْئَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً) لشغل كل إنسان بنفسه عن غيره.
١١ ـ ٣٥ ـ لمّا وصف سبحانه القيامة ، وأخبر أن الحميم فيه لا يسأل حميمه لشغله بنفسه قال (يُبَصَّرُونَهُمْ) أي يعرفهم الملائكة ويجعلون بصراء بهم فيسوقون فريقا إلى الجنة وفريقا إلى النار (يَوَدُّ الْمُجْرِمُ) أي يتمنّى العاصي (لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ) يتمنى سلامته من العذاب النازل به بإسلام كل كريم عليه من أولاده الذين هم أعزّ الناس عليه (وَصاحِبَتِهِ) أي وزوجته التي كانت سكنا له ، وربما آثرها على أبويه (وَأَخِيهِ) الذي كان ناصرا له ومعينا (وَفَصِيلَتِهِ) أي وعشيرته (الَّتِي تُؤْوِيهِ) في الشدائد ، وتضمّه ويأوي إليها في النسب (وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً) أي وبجميع الخلائق يقول : يودّ لو يفتدي بجميع هذه الأشياء (ثُمَّ يُنْجِيهِ) ذلك الفداء (كَلَّا) لا ينجيه ذلك (إِنَّها لَظى) يعني ان نار جهنّم ، وسميت لظى لأنها تتلظى ، أي تشتعل وتلتهب على أهلها (نَزَّاعَةً لِلشَّوى) تنزع الأطراف فلا تترك لحما ولا جلدا إلا أحرقته (تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى) يعني النار تدعو إلى نفسها من أدبر عن الإيمان ، وتولى عن طاعة الله ورسوله ، والمعنى : أنه لا يفوت هذه النار كافر ، فكأنها تدعوه فيجيبها كرها وقيل معناه : تدعو زبانية النار من أدبر وتولى عن الحق (وَجَمَعَ) المال (فَأَوْعى) أي أمسكه في الوعاء فلم ينفقه في طاعة الله ، فلم يؤدّ زكاة ، ولم يصل رحما (إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً) أي ضجورا شحيحا جزوعا من الهلع وهو شدّة الحرص (إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً وَإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً) يعني إذا أصابه الفقر لا يحتسب ولا يصبر ، وإذا أصابه الغنى منعه من البرّ ؛ ثم استثنى سبحانه الموحّدين المطيعين فقال (إِلَّا الْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ) مستمرّون على أدائها لا يخلون بها ولا يتركونها ، وروي عن أبي جعفر عليهالسلام : ان هذا في النوافل وقوله (وَالَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ) في الفرائض والواجبات (وَالَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) يعني الزكاة المفروضة ، والسائل : الذي يسأل ، والمحروم : الفقير الذي يتعفف ولا يسأل ، وروي عن أبي عبد الله عليهالسلام أنه قال : الحق المعلوم ليس من الزكاة وهو الشيء الذي تخرجه من مالك إن شئت كل جمعة ، وإن شئت كل يوم ، ولكل ذي فضل فضله (وَالَّذِينَ