الدلالات ؛ وهذا توبيخ وتقريع وليس باستفهام (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا) أي هلمّوا (يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللهِ لَوَّوْا رُؤُسَهُمْ) أي أكثروا تحريكها بالهزّ لها استهزاء بدعائهم إلى ذلك وقيل : أمالوها اعراضا عن الحق ، وكراهة لذكر النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وذلك لكفرهم واستكبارهم (وَرَأَيْتَهُمْ) يا محمد (يَصُدُّونَ) عن سبيل الحق (وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ) أي متكبرون مظهرون أنه لا حاجة لهم إلى الاستغفار.
٦ ـ ١١ ـ ثم ذكر سبحانه أن استغفاره لا ينفعهم فقال (سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ) أي يتساوى الاستغفار لهم وعدم الاستغفار (لَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ) لأنهم يبطنون الكفر وإن أظهروا الإيمان (إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ) أي لا يهدي القوم الخارجين عن الدين والإيمان إلى طريق الجنة. قال الحسن : أخبره سبحانه أنهم يموتون على الكفر فلم يستغفر لهم (هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا عَلى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ) من المؤمنين المحتاجين (حَتَّى يَنْفَضُّوا) أي يتفرقوا عنه وإنما قالوا هم من عند محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم ولكن الله سبحانه سمّاه رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم تشريفا له ، وتعظيما لقدره (وَلِلَّهِ خَزائِنُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) وما بينهما من الأرزاق والأموال والأعلاق ، فلو شاء لأغناهم ولكنّه تعالى يفعل ما هو الأصلح لهم ، ويمتحنهم بالفقر ، ويتعبدهم بالصبر ليصبروا فيؤجروا وينالوا الثواب ، وكريم المآب (وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَفْقَهُونَ) ذلك على الحقيقة لجهلهم بوجوه الحكمة وقيل : لا يفقهون أن أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون (يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ) من غزوة بني المصطلق (لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ) يعنون نفوسهم (مِنْهَا الْأَذَلَ) يعنون رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم والمؤمنين ؛ فردّ الله سبحانه عليهم بأن قال (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ) بإعلاء الله كلمته ، وإظهاره دينه على الأديان (وَلِلْمُؤْمِنِينَ) بنصرته إياهم في الدنيا ، وإدخالهم الجنة في العقبى وقيل : ولله العزة بالربوبية ولرسوله بالنبوة ، وللمؤمنين بالعبودية. أخبر سبحانه بذلك ثم حقّقه بأن أعزّ رسوله والمؤمنين ، وفتح عليهم مشارق الأرض ومغاربها وقيل : عز الله خمسة : عزّ الملك والبقاء ، وعزّ العظمة والكبرياء ، وعزّ البذل والعطاء ، وعزّ الرفعة والعلاء ، وعزّ الجلال والبهاء ؛ وعزّ الرسول خمسة عزّ السبق والابتداء ، وعزّ الأذان والنداء ، وعز قدم الصدق على الأنبياء ، وعزّ الاختيار والاصطفاء ، وعزّ الظهور على الأعداء ، وعزّ المؤمنين خمسة : عزّ التأخير بيانه : نحن الآخرون السابقون ، وعزّ التيسير بيانه : (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ) ، (يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ) ، وعزّ التبشير ، بيانه : (وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللهِ فَضْلاً كَبِيراً) ، وعزّ التوقير ، بيانه. (وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ) ، وعزّ التكثير ، بيانه : انهم أكثر الأمم (وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ) فيظنون أن العزة لهم وذلك لجهلهم بصفات الله تعالى ، وما يستحقه أولياؤه. ووجه الجمع بين هذه الآية وبين قوله : (فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً) : ان عزّ الرسول والمؤمنين من جهته عزّ اسمه وإنما يحصل به وبطاعته ، فلله العز بأجمعه ثم خاطب سبحانه المؤمنين فقال (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ) أي لا تشغلكم (أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ) أي عن الصلوات الخمس المفروضة وقيل : ذكر الله جميع طاعاته عن أبي مسلم وقيل : ذكره شكره على نعمائه ، والصبر على بلائه ، والرضا بقضائه ، وهو إشارة إلى انه لا ينبغي أن يغفل المؤمن عن ذكر الله في بؤس كان أو نعمة ، فإن إحسانه في الحالات لا ينقطع (وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ) أي من يشغله ماله وولده عن ذكر الله (فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ) خسروا ثواب الله ورحمته (وَأَنْفِقُوا مِنْ ما رَزَقْناكُمْ) في سبيل البر ، فيدخل فيه الزكوات وسائر الحقوق الواجبة (مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ) أي أسباب الموت (فَيَقُولَ رَبِّ لَوْ لا أَخَّرْتَنِي إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ) أي هلّا أخّرتني ؛ وذلك إذا عاين علامات الآخرة