النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) انّكم أبناء الله وأحباؤه ، فإن الموت هو الذي يوصلكم إليه. ثم أخبر سبحانه عن حالهم في كذبهم واضطرابهم في دعواهم ، وأنهم غير واثقين بذلك فقال (وَلا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ) من الكفر والمعاصي (وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ) أي عالم بأفعالهم وأحوالهم. وقد تقدّم تفسير الآيتين في سورة البقرة وفيه معجزة للرسول ، لأنه أخبر أنهم لا يتمنون الموت أبدا لما يعرفون من صدق النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وكذبهم ، فكان الأمر كما قال (قُلْ) يا محمد (إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ) أي إنكم وإن فررتم من الموت وكرهتموه فإنه لا بدّ ينزل بكم ويلقاكم ويدرككم ، ولا ينفعكم الهرب منه (ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ) أي ترجعون إلى الله الذي يعلم سركم وعلانيتكم يوم القيامة (فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) في دار الدنيا ويجازيكم بحسبها. ثم خاطب سبحانه المؤمنين فقال (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ) أي إذا أذّن لصلاة الجمعة (فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللهِ) أي فامضوا إلى الصلاة مسرعين غير متثاقلين (وَذَرُوا الْبَيْعَ) أي دعوا المبايعة (ذلِكُمْ) يعني ما أمرتكم به من حضور الجمعة ، واستماع الذكر وأداء الفريضة ، وترك البيع (خَيْرٌ لَكُمْ) وانفع لكم عاقبة (إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) منافع الأمور ومضارها ، ومصالح أنفسكم ومفاسدها (فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ) يعني إذا صليتم الجمعة وفرغتم منها فتفرقوا في الأرض (وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللهِ) أي واطلبوا الرزق في البيع والشراء ، وهذا اباحة وليس بأمر وإيجاب ، وروي عن أنس عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : في قوله : (فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا) الآية : ليس بطلب دنيا ولكن عيادة مريض ، وحضور جنازة ، وزيارة أخ في الله وقيل : المراد بقوله : (وابتغوا من فضل الله طلب العلم) ، عن الحسن وسعيد بن جبير ومكحول ، وروي عن أبي عبد الله (ع) أنه قال : الصلاة يوم الجمعة والانتشار يوم السبت ، وروى عمرو بن زيد عن أبي عبد الله قال : إني لأركب في الحاجة التي كفاها الله ما أركب فيها إلا التماس أن يراني الله أضحى في طلب الحلال ، أما تسمع قول الله عز اسمه : (فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللهِ) ، أرأيت لو أن رجلا دخل بيتا وطين عليه بابه ثم قال : رزقي ينزل عليّ كان يكون هذا؟ أما انه أحد الثلاثة الذين لا يستجاب لهم قال :قلت : من هؤلاء الثلاثة؟ قال : رجل تكون عنده المرأة فيدعو عليها فلا يستجاب له لأن عصمتها في يده لو شاء أن يخلّي سبيلها لخلّى سبيلها ، والرجل يكون له الحق على الرجل فلا يشهد عليه فيجحده حقه فيدعو عليه فلا يستجاب له لأنه ترك ما أمر به ، والرجل يكون عنده الشيء فيجلس في بيته فلا ينتشر ولا يطلب ولا يلتمس حتى يأكله ثم يدعو فلا يستجاب له (وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيراً) أي اذكروه على إحسانه ، واشكروه على نعمه وعلى ما وفّقكم من طاعته وأداء فرضه وقيل معناه : اذكروا الله في تجارتكم وأسواقكم كما روي عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أنه قال : من ذكر الله في السوق مخلصا عند غفلة الناس وشغلهم بما فيه كتب له ألف حسنة ، ويغفر الله له يوم القيامة مغفرة لم تخطر على قلب بشر (لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) أي لتفلحوا وتفوزوا بثواب النعيم (وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً) أي عاينوا ذلك (انْفَضُّوا إِلَيْها) أي تفرّقوا عنك خارجين إليها وقيل : مالوا إليها ، والضمير للتجارة ، وإنما خصّت برد الضمير إليها لأنها كانت أهم إليهم ، وهم بها أسر من الطبل ، لأن الطبل إنما دلّ على التجارة ، عن الفراء ، وقيل : عاد الضمير إلى أحدهما اكتفاء به ، وكأنه على حذف ، والمعنى : وإذا رأوا تجارة انفضوا إليها ، وإذا رأوا لهوا انفضوا إليه ، فحذف إليه لأن إليها يدل عليه (وَتَرَكُوكَ قائِماً) تخطب على المنبر. قال جابر بن سمرة : ما رأيت رسول الله صلّى الله