وزعم أنه زنى بها ، ورموه بقتل هارون (فَلَمَّا زاغُوا أَزاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ) أي فلما مالوا عن الحق والإستقامة خلاهم وسوء اختيارهم ، ومنعهم الألطاف التي يهدي بها قلوب المؤمنين كقوله : (وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ يَهْدِ قَلْبَهُ) عن أبي مسلم ، وقيل : أزاغ الله قلوبهم عما يحبون إلى ما يكرهون ولا يجوز أن يكون المراد أزاغ الله قلوبهم عن الإيمان لأن الله تعالى لا يجوز أن يزيغ أحدا عن الإيمان ، وأيضا فإنه يخرج الكلام عن الفائدة لأنهم إذا زاغوا عن الإيمان فقد حصلوا كفارا فلا معنى لقوله : أزاغهم الله عن الإيمان (وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ) أي لا يهديهم الله إلى الثواب والكرامة والجنة التي وعدها المؤمنين وقيل : لا يفعل بهم الألطاف التي يفعلها بالمؤمنين ، بل يخليهم وإختيارهم.
٦ ـ ٩ ـ (وَإِذْ قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ) أي واذكر إذ قال عيسى بن مريم لقومه الذين بعث إليهم (يا بَنِي إِسْرائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ) المنزلة على موسى (وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ) يعني نبيّنا محمدا صلىاللهعليهوآلهوسلم كما قال الشاعر :
صلّى الإله ومن يحفّ بعرشه |
|
والطّيّبون على المبارك أحمد |
ولهذا الاسم معنيان أحدهما أن يجعل أحمد مبالغة من الفاعل ، أي هو أكثر حمدا لله من غيره والآخر أن يجعل مبالغة من المفعول ، أي يحمد بما فيه من الأخلاق والمحاسن أكثر مما يحمد غيره وصحت الرواية عن الزهري عن محمد بن جبير بن المطعم عن أبيه قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : ان لي أسماء أنا أحمد ، وأنا محمد ، وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر ، وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي ، وأنا العاقب الذي ليس بعدي نبي ، وقد تضمنت الآية أن عيسى بشّر قومه بمحمد صلىاللهعليهوآلهوسلم وبنبوته وأخبرهم برسالته وفي هذه البشرى معجزة لعيسى عليهالسلام عند ظهور محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وأمر لأمته أن يؤمنوا به عند مجيئه (فَلَمَّا جاءَهُمْ) أحمد (بِالْبَيِّناتِ) أي بالدلالات الظاهرة ، والمعجزات الباهرة (قالُوا هذا سِحْرٌ مُبِينٌ) أي ظاهر (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ الْكَذِبَ) أي من أشد ظلما ممن أختلق الكذب على الله وقال لمعجزاته سحر ، وللرسول أنه ساحر كذاب (وَهُوَ يُدْعى إِلَى الْإِسْلامِ) الذي فيه نجاته (وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) الذين ظلموا أنفسهم بفعل الكفر والمعاصي (يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ) أي يريدون اذهاب نور الإيمان والإسلام بفاسد الكلام الجاري مجرى تراكم الظلام ، فمثلهم فيه كمثل من حاول اطفاء نور الشمس بفيه (وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ) أي مظهر كلمته ، ومؤيّد نبيه ، ومعلن دينه وشريعته ، ومبلغ ذلك غايته (وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ) محمدا صلىاللهعليهوآلهوسلم (بِالْهُدى) من التوحيد وإخلاص العبادة له (وَدِينِ الْحَقِ) وهو دين الإسلام وما تعبّد به الخلق (لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ) بالحجة والتأييد والنصرة (وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) وفي هذه دلالة على صحة نبوة نبينا محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم لأنه سبحانه قد أظهر دينه على جميع الأديان بالاستعلاء والقهر وإعلاء الشأن كما وعده ذلك في حال الضعف وقلة الأعوان.
١٠ ـ ١٤ ـ لما تقدم ذكر الرسول عقبه سبحانه بذكر الدعاء إلى قبول قوله ونصرته ، والعمل بشريعته فقال (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) وهو خطاب للمؤمنين على العموم (هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ) صورته صورة العرض والمراد به الأمر على سبيل التلطف في الاستدعاء إلى الإخلاص في الطاعة والمعنى : هل ترغبون في تجارة منجية من العذاب الأليم؟ وهو الإيمان بالله ورسوله ، والجهاد في سبيل الله بالمال والنفس وذلك قوله (تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ