٦ ـ ٩ ـ ثم أعاد سبحانه في ذكر الأسوة فقال (لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِيهِمْ) أي في إبراهيم ومن آمن معه (أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) أي قدوة حسنة ؛ وإنما أعاد ذكر الأسوة لأن الثاني منعقد بغير ما انعقد به الأول ، فإن الثاني فيه بيان أن الأسوة فيهم كان لرجاء ثواب الله وحسن المنقلب ، والأول فيه بيان أن الأسوة في المعاداة للكفار وقوله (لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ) بدل من قوله لكم ، وهو بدل البعض من الكل مثل قوله : (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) ، وفيه بيان أن هذه الأسوة لمن يخاف الله ويخاف عقاب الآخرة وهو قوله : (وَالْيَوْمَ الْآخِرَ) وقيل : يرجو ثواب الله وما يعطيه في ذلك في اليوم الآخر (وَمَنْ يَتَوَلَ) أي ومن يعرض عن هذا الاقتداء بإبراهيم والأنبياء والمؤمنين والذين معه فقد أخطأ حظ نفسه ، وذهب عما يعود نفعه إليه فحذفه لدلالة الكلام عليه وهو قوله (فَإِنَّ اللهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) أي الغني عن ذلك ، المحمود في جميع أفعاله ، فلا يضره توليه ولكنه ضر نفسه (عَسَى اللهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عادَيْتُمْ مِنْهُمْ) أي من كفار مكة (مَوَدَّةً) بالإسلام والمعنى : أن موالاة الكفار لا تنفع ، والله سبحانه قادر على أن يوفقهم للإيمان وتحصل المودة بينكم وبينهم فكونوا على رجاء وطمع من الله أن يفعل ذلك ، وقد فعل ذلك حين أسلموا عام الفتح ، فحصلت المودة بينهم وبين المسلمين (وَاللهُ قَدِيرٌ) على نقل القلوب من العداوة إلى المودة (وَاللهُ غَفُورٌ) لذنوب عباده (رَحِيمٌ) بهم إذا تابوا وأسلموا (لا يَنْهاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ) أي ليس ينهاكم الله عن مخالطة أهل العهد الذين عاهدوكم على ترك القتال ، وبرهم ومعاملتهم بالعدل وهو قوله (أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ) أي وتعدلوا فيما بينكم وبينهم من الوفاء بالعهد عن الزجاج وقيل : ان المسلمين استأمروا النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم في أن يبرّوا أقرباءهم من المشركين وذلك قبل أن يؤمروا بقتال جميع المشركين فنزلت هذه الآية ، وهي منسوخة بقوله اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ، عن ابن عباس والحسن وقتادة وقيل : انه عنى بالذين لم يقاتلوكم من آمن من أهل مكة ولم يهاجر عن قتادة وقيل : هي عامة في كل من كان بهذه الصفة عن ابن الزبير والذي عليه الإجماع أن بر الرجل من يشاء من أهل الحرب قرابة كان أو غير قرابة ليس بمحرم ، وإنما الخلاف في إعطائهم مال الزكاة والفطرة والكفارات ، فلا يجوزه أصحابنا ، وفيه خلاف بين الفقهاء وقوله : (أَنْ تَبَرُّوهُمْ) في موضع جر بدل من الذين وتقديره : ولا ينهاكم الله عن أن تبرّوا الذين لم يقاتلوكم (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) أي العادلين. ثم قال (إِنَّما يَنْهاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ قاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ) من أهل مكة وغيرهم (وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ) أي منازلكم واملاككم (وَظاهَرُوا عَلى إِخْراجِكُمْ) أي عاونوا على ذلك وعاضدوهم (أَنْ تَوَلَّوْهُمْ) أي ينهاكم الله عن أن تولوهم وتوادّوهم وتحبوهم (وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ) منكم ، أي يوالهم وينصرهم (فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) يستحقون بذلك العذاب الأليم.
١٠ ـ ١١ ـ لما قطع سبحانه الموالاة بين المسلمين والكافرين بيّن حكم النساء المهاجرات وأزواجهن فقال (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ فَامْتَحِنُوهُنَ) بالإيمان ، أي استوصفوهن الإيمان ، وسماهن مؤمنات قبل أن يؤمنّ لأنّهن اعتقدن الإيمان (اللهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِهِنَ) أي كنتم تعلمون بالإمتحان ظاهر إيمانهن ، والله يعلم حقيقة إيمانهن في الباطن. ثم اختلفوا في الإمتحان على وجوه أحدها أن الإمتحان : أن يشهدن أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله عن ابن عباس وثانيها ما روي عن ابن عباس أيضا في رواية أخرى أن امتحانهن أن يحلفن ما خرجن إلا للدين ، والرغبة