بِاللهِ رَبِّكُمْ) أي لأن تؤمنوا فكأنه قال : يفعلون ذلك لإيمانكم بالله ربكم الذي خلقكم (إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغاءَ مَرْضاتِي) والمعنى : إن كان غرضكم في خروجكم وهجرتكم الجهاد وطلب رضاي فأوفوا خروجكم حقه من معاداتهم ، ولا تلقوا إليهم بالمودة ، ولا تتخذوهم أولياء (تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ) أي تعلمونهم بأحوال الرسول في السر بالمودة التي بينكم وبينهم ، فعل من يظن أنه يخفى عليّ ما يفعله (وَأَنَا أَعْلَمُ بِما أَخْفَيْتُمْ وَما أَعْلَنْتُمْ) لا يخفى عليّ شيء من ذلك ، فاطلع رسولي عليه (وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ) أي ومن أسر إليهم بالمودة ، وألقى إليهم أخبار رسولي منكم يا جماعة المؤمنين بعد هذا البيان (فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ) أي عدل عن طريق الحق ، وجار عن سبيل الرشد (إِنْ يَثْقَفُوكُمْ) يعني ان هؤلاء الكفار ان يصادفوكم مقهورين ويظفروا بكم (يَكُونُوا لَكُمْ أَعْداءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ) أي يمدّوا إليكم أيديهم بالضرب والقتل ، ويبسطوا إليكم ألسنتهم بالشتم والمعنى : أنهم يعادونكم ولا ينفعكم ما تلقون إليهم ، ولا يتركون غاية في الحاق السوء بكم باليد واللسان (وَوَدُّوا) مع ذلك (لَوْ تَكْفُرُونَ) بالله كما كفروا ، وترجعون عن دينكم (لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحامُكُمْ) أي ذوو أرحامكم والمعنى : قراباتكم (وَلا أَوْلادُكُمْ) أي لا يحملنكم قراباتكم ولا أولادكم التي بمكة على خيانة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم والمؤمنين ، فلن ينفعكم أولئك الذين عصيتم الله لأجلهم (يَوْمَ الْقِيامَةِ يَفْصِلُ) الله (بَيْنَكُمْ) فيدخل أهل الإيمان والطاعة الجنة ، وأهل الكفر والمعصية النار ، ويميز بعضكم من بعض (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) أي عليم بأعمالكم ؛ علم الله سبحانه بما عمله حاطب من مكاتبة أهل مكة حتى أخبر نبيه صلىاللهعليهوآلهوسلم بذلك ، ثم ضرب سبحانه لهم إبراهيم مثلا في ترك موالاة الكفار فقال (قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) أي اقتداء حسن (فِي إِبْراهِيمَ) خليل الله (وَالَّذِينَ مَعَهُ) ممن آمن به واتبعه (إِذْ قالُوا لِقَوْمِهِمْ) الكفار (إِنَّا بُرَآؤُا مِنْكُمْ) فلا نواليكم (وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) أي وبراء من الأصنام التي تعبدونها (كَفَرْنا بِكُمْ) أي يقولون لهم : جحدنا دينكم ، وأنكرنا معبودكم (وَبَدا بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ الْعَداوَةُ وَالْبَغْضاءُ أَبَداً) فلا يكون بيننا موالاة في الدين (حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللهِ وَحْدَهُ) أي تصدقوا بوحدانية الله ، واخلاص التوحيد والعبادة له. قال الفراء : يقول الله تعالى : أفلا تأتسي يا حاطب بإبراهيم وقومه فتبرأ من أهلك كما تبرؤوا منهم؟ أي من قومهم الكفار (إِلَّا قَوْلَ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ) فإنه عليهالسلام إنما استغفر لأبيه عن موعدة وعدها إياه بالإيمان ، فلما تبين له أنه عدوّ الله تبرأ منه ، وقيل : كان آزر ينافق إبراهيم ، ويريه أنه مسلم ، ويعده اظهار الإسلام ، فستغفر له ، عن الحسن والجبائي ثم قال (وَما أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ شَيْءٍ) إذا أراد عقابك ، ولا يمكنني دفع ذلك عنك (رَبَّنا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا) أي وكانوا يقولون ذلك (وَإِلَيْكَ أَنَبْنا) أي إلى طاعتك رجعنا (وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ) أي إلى حكمك المرجع ، وهذه حكاية لقول إبراهيم وقومه ، ويحتمل أن يكون تعليما لعباده أن يقولوا ذلك فيفوضوا أمورهم إليه ، ويرجعون إليه بالتوبة (رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا) معناه : لا تعذبنا بأيديهم ، ولا ببلاء من عندك فيقولوا : لو كان هؤلاء على حق لما أصابهم هذا البلاء عن مجاهد ، وقيل معناه : ولا تسلطهم علينا فيفتنونا عن دينك وقيل معناه : ألطف لنا حتى نصبر على أذاهم ولا نتبعهم فنصير فتنة لهم وقيل معناه : ولا تسلطهم علينا فيفتنونا عن دينك وقيل معناه : اعصمنا من موالاة الكفار فانا إذا واليناهم ظنوا أنا صوبناهم وقيل معناه لا تخذلنا إذا حاربناهم فلو خذلتنا لقالوا : لو كان هؤلاء على الحق لما خذلوا (وَاغْفِرْ لَنا رَبَّنا) ذنوبنا (إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ) الذي لا يغالب (الْحَكِيمُ) الذي لا يفعل إلّا الحكمة والصواب. وفي هذا تعليم للمسلمين أن يدعوا بهذا الدعاء.