يُحَادُّونَ اللهَ وَرَسُولَهُ) أي يخالفون أمر الله ، ويعادون رسوله (كُبِتُوا) أي أذلوا واخزوا (كَما كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) أي كما أخزي الذين من قبلهم من أهل الشرك (وَقَدْ أَنْزَلْنا آياتٍ بَيِّناتٍ) أي حججا واضحات من القرآن وما فيه من الأدلة والبيان (وَلِلْكافِرِينَ) الجاحدين لما أنزلناه (عَذابٌ مُهِينٌ) يهينهم ويخزيهم.
النزول
قال ابن عباس : نزل قوله : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوى) الآية في اليهود والمنافقين ، انهم كانوا يتناجون فيما بينهم دون المؤمنين ، وينظرون إلى المؤمنين ، ويتغامزون بأعينهم ، فإذا رأى المؤمنون نجواهم قالوا : ما نراهم إلّا وقد بلغهم عن أقربائنا وإخواننا الذين خرجوا في السرايا قتل أو مصيبة أو هزيمة ، فيقع ذلك في قلوبهم ويحزنهم ، فلما طال ذلك شكوا إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله فأمرهم أن لا يتناجوا دون المسلمين ، فلم ينتهوا عن ذلك ، وعادوا إلى مناجاتهم فنزلت الآية.
٦ ـ ١٠ ـ ثم بيّن سبحانه وقت ذلك العذاب فقال (يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللهُ جَمِيعاً) أي يحشرهم إلى أرض المحشر ويعيدهم أحياء (فَيُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا) أي يخبرهم ويعلمهم بما عملوه من المعاصي في دار الدنيا (أَحْصاهُ اللهُ) عليهم وأثبته في كتاب أعمالهم (وَنَسُوهُ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) معناه : أنه يعلم الأشياء كلها من جميع وجوهها لا يخفى عليه شيء منها ومنه قوله شهد الله أنه لا إله إلا هو ، أي علم الله. ثم بيّن سبحانه أنه يعلم ما يكون في العالم فقال (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) يعني جميع المعلومات ، والخطاب للنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم والمراد جميع المكلفين وهو استفهام معناه التقرير ؛ أي ألم تعلم وقيل : ألم تر إلى الدلالات المرئية من صنعته الدالة على أنه عالم بجميع المعلومات (ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ) بالعلم ، يعني أن نجواهم معلومة عنده كما تكون معلومة عند الرابع الذي هو معهم وقيل : السرار : ما كان بين اثنين ، والنجوى : ما كان بين ثلاثة وقال بعضهم : النجوى كل حديث كان سرا أو علانية وهو اسم للشيء الذي يتناجى به (وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سادِسُهُمْ) أي ولا يتناجى خمسة إلّا وهو عالم بسرهم كسادس معهم (وَلا أَدْنى مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ ما كانُوا) المعنى : أنه عالم بأحوالهم وجميع متصرفاتهم فرادى وعند الاجتماع ، لا يخفى عليه شيء منها ، فكأنما هو معهم ومشاهد لهم وعلى هذا يقال : إن الله مع الإنسان حيثما كان لأنه إذا كان عالما به لا يخفى عليه شيء من أمره ، حسن هذا الإطلاق لما فيه من البيان ، فأما أن يكون معهم على طريق المجاورة فذلك محال ، لأنه من صفات الأجسام وقد دلت الأدلة على انه ليس بصفات الأجسام (ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ) أي يخبرهم بأعمالهم (إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) لا يخفى عليه خافية (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوى) أي ألم تعلم حال الذين نهوا عن المناجاة واسرار الكلام بينهم دون المسلمين بما يغم المسلمين ويحزنهم وهم اليهود والمنافقون (ثُمَّ يَعُودُونَ لِما نُهُوا عَنْهُ) يعني إلى ما نهوا عنه ، أي يرجعون إلى المناجاة بعد النهي (وَيَتَناجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ) في مخالفة الرسول وهو قوله (وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ) وذلك أنه نهاهم عن النجوى فعصوه ، ويجوز أن يكون الإثم والعدوان ذلك السر الذي يجري بينهم لأنه شيء يسوء المسلمين ، ويوصي بعضهم بعضا بترك أمر الرسول والمعصية له (وَإِذا جاؤُكَ حَيَّوْكَ بِما لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللهُ) وذلك أن اليهود كانوا يأتون النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم فيقولون السام عليك ، والسام الموت ، وهم يوهمونه أنهم