يقولون : السلام عليك ، وكان النبيّ يرد على من قال ذلك فيقول وعليك وقال الحسن كان اليهودي يقول : السأم عليك ، أي انكم ستسأمون دينكم هذا وتملونه فتدعونه ، ومن قال السأم الموت فهو سام الحياة بذهابها (وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ) أي يقول بعضهم لبعض (لَوْ لا يُعَذِّبُنَا اللهُ بِما نَقُولُ) أي يقولون : لو كان هذا نبيا كما يزعم فهلا يعذبنا الله ولا يستجيب له فينا قوله : وعليكم ، يعني السام وهو الموت. فقال سبحانه (حَسْبُهُمْ) أي كافيهم (جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَها) يوم القيامة ويحترقون فيها (فَبِئْسَ الْمَصِيرُ) أي فبئس المرجع والمآل جهنم لما فيها من أنواع العذاب والنكال. ثم نهى المؤمنين عن مثل ذلك فقال (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَناجَيْتُمْ فَلا تَتَناجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ) أي لا تفعلوا كفعل المنافقين واليهود (وَتَناجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوى) أي بأفعال الخير والطاعة والخوف من عذاب الله ، واتقاء معاصي الله (وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي إِلَيْهِ) أي إلى جزائه (تُحْشَرُونَ) يوم القيامة (إِنَّمَا النَّجْوى مِنَ الشَّيْطانِ) يعني نجوى المنافقين والكفار بما يسوء المؤمنين ويغمهم من وساوس الشيطان وبدعائه وإغوائه يفعل ذلك النجوى (لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضارِّهِمْ شَيْئاً) أي نجواهم لا يضرهم شيئا (إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) يعني بعلم الله وقيل : بأمر الله لأنه يلحقهم الآلام والأمراض عقيب ذلك (وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) في جميع أمورهم دون غيره. وورد في الخبر عن عبد الله بن مسعود قال : قال النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : إذا كنتم ثلاثة فلا يتناج اثنان دون صاحبهما فإن ذلك يحزنه.
١٢ ـ النزول
قوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ) ، فإنها نزلت في الأغنياء ، وذلك أنهم كانوا يأتون النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم فيكثرون مناجاته ، فأمر الله بالصدقة عند المناجاة ، فلما رأوا ذلك انتهوا عن مناجاته ، فنزلت آية الرخصة. وقال أمير المؤمنين صلوات الرحمان عليه : إنّ في كتاب الله لآية ما عمل بها أحد قبلي ، ولا يعمل بها أحد بعدي : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ) ، كان لي دينار فبعته بعشرة دراهم ، فكلما أردت أن أناجي رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قدّمت درهما ، فنسختها الآية الأخرى : (أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ) ، فقال صلوات الله عليه : بي خفف الله عن هذه الأمة ، ولم ينزل في أحد قبلي ، ولم ينزل في أحد بعدي.
١١ ـ ١٥ ـ لما قدّم سبحانه النهي عن النجوى لما فيه من إيذاء المؤمنين ، عقّبه بالأمر بالتفسح لما في تركه من إيذائهم أيضا فقال (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجالِسِ) أي اتسعوا فيه ، وهو مجلس النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم (فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللهُ لَكُمْ) أي فتوسعوا يوسع الله لكم مجالسكم في الجنة (وَإِذا قِيلَ انْشُزُوا) أي ارتفعوا وقوموا ووسعوا على إخوانكم (فَانْشُزُوا) أي فافعلوا ذلك (يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ) قال ابن عباس : يرفع الله الذين أوتوا العلم من المؤمنين على الذين لم يؤتوا العلم درجات (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) أي عليم. ثم خاطب سبحانه المؤمنين مرة أخرى وقال (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً) أي إذا ساررتم الرسول فقدموا قبل أن تسارّوه صدقة. وأراد بذلك تعظيم النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وأن يكون ذلك سببا لأن يتصدقوا فيؤجروا عنه ، وتخفيفا عنه صلىاللهعليهوآلهوسلم. قال المفسرون : فلما نهوا عن المناجاة حتى يتصدقوا ضنّ كثير من الناس فكفوا عن المسألة فلم يناجه أحد إلا عليّ بن أبي طالب (ذلِكَ) أي ذلك التصدق بين يدي مناجاة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم (خَيْرٌ لَكُمْ) لأن فيه