محالة انه نازل بهم فقيل (يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ) أي يكون هذا الجزاء في يوم يعذبون فيها ويحرقون بالنار ، قال عكرمة : ألم تر أن الذهب إذا ادخل النار قيل فتن أي فهؤلاء يفتنون بالاحراق كما يفتن الذهب باحراق الغش الذي فيه ويقول لهم خزنة النار (ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ) أي عذابكم وحريقكم (هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ) في الدنيا تكذيبا به ، واستبعادا له فقد حصلتم الآن فيه ، وعرفتم صحته.
١٥ ـ ٢٣ ـ ثم ذكر سبحانه ما أعده لأهل الجنة فقال (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ) مرّ تفسيره (آخِذِينَ ما آتاهُمْ رَبُّهُمْ) أي ما أعطاهم من الخير والكرامة (إِنَّهُمْ كانُوا قَبْلَ ذلِكَ) يعني في دار التكليف (مُحْسِنِينَ) يفعلون الطاعات ، ويحسنون إلى غيرهم بضروب الإحسان. ثم ذكر احسانهم في أعمالهم فقال (كانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ) والهجوع : النوم بالليل ومعناه : كانوا قل ليلة تمرّ بهم إلّا صلّوا فيها ، وهو المروي عن أبي عبد الله (ع) والمعنى : كان الذي ينامون فيه كله قليلا (وَبِالْأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) قال أبو عبد الله (ع): كانوا يستغفرون الله في الوتر سبعين مرة ، ثم ذكر سبحانه صدقاتهم فقال (وَفِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) والسائل : هو الذي يسأل الناس ، والمحروم المتعفف الذي لا يسأل (وَفِي الْأَرْضِ آياتٌ) أي دلالات بيّنات ، وحجج نيّرات (لِلْمُوقِنِينَ) الذين يتحققون توحيد الله ؛ وإنّما خصّ الموقنين لأنهم ينظرون فيها فيحصل لهم العلم بموجبها ، وآيات الأرض : ما فيها من أنواع المخلوقات من الجبال والبحار والنبات والأشجار كل ذلك دالّ على كمال قدرته وحكمته.
وفي كل شيء له آية |
|
تدل على انه واحد |
(وَفِي أَنْفُسِكُمْ) أي وفي أنفسكم أيضا آيات دالات على وحدانيته (أَفَلا تُبْصِرُونَ) أي أفلا ترون انها مصرفة من حال إلى حال ، ومنتقلة من صفة إلى أخرى ، إذ كنتم نطفا فصرتم أحياءا ، ثم كنتم أطفالا فصرتم شبابا ، ثم كهولا فهلا دلكم ذلك على ان لها صانعا صنعها ، ومدبرا دبرها ، ومصرفا صرفها على مقتضى الحكمة؟ (وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ) ينزله الله اليكم بأن يرسل الغيث والمطر عليكم فيخرج به من الارض انواع ما تقتاتونه وتلبسونه وتنتفعون به (وَما تُوعَدُونَ) من الثواب والعقاب (فَوَ رَبِّ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌ) أقسم سبحانه بنفسه ان ما ذكر من أمر الرزق والآيات حق لا شك فيه (مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ) أي مثل نطقكم الذي تنطقون به ، فكما لا تشكون فيما تنطقون فكذلك لا تشكوا في حصول ما وعدتم به والمعنى : انه في صدقه وتحقق وجوده كالذي تعرفه ضرورة.
٢٤ ـ ٣٧ ـ لمّا قدّم سبحانه الوعد والوعيد عقب ذلك بذكر بشارة إبراهيم ومهلك قوم لوط تخويفا للكفار أن ينزل بهم مثل ما نزل بأولئك فقال (هَلْ أَتاكَ) يا محمد (حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ الْمُكْرَمِينَ) عند الله ، وذلك انهم كانوا ملائكة كراما ، ونظيره قوله : (بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ) ، وكانوا ثلاثة : جبرائيل وميكائيل وملك آخر (إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقالُوا سَلاماً) أي حين دخلوا على إبراهيم فقالوا له على وجه التحية : سلاما ، أي أسلم سلاما فقال لهم : جوابا عن ذلك (قالَ سَلامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ) أي قال في نفسه : هؤلاء قوم لا نعرفهم ، وذلك انه ظنهم من الإنس ولم يعرفهم (فَراغَ إِلى أَهْلِهِ) أي ذهب إليهم خفيا ، وإنما راغ مخافة أن يمنعوه من تكلف مأكول كعادة الظرفاء (فَجاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ) وكان مشويا لقوله في آية أخرى : حنيذ (فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ) ليأكلوا فلم يأكلوا ، فلما رآهم لا يأكلون عرض عليهم (قالَ أَلا تَأْكُلُونَ فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً) أي فلما امتنعوا من الأكل أوجس منهم خيفة والمعنى : خاف منهم وظن انهم يريدون به سوءا (قالُوا) أي قالت الملائكة