(لا تَخَفْ) يا إبراهيم (وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَلِيمٍ) أي يكون عالما إذا كبر وبلغ ، والغلام المبشر به هو إسحاق لأنه من سارة وهذه القصة لها عن أكثر المفسرين ، وهذا كله مفسر فيما مضى (فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ) أي فلما سمعت البشارة امرأته سارة أقبلت في ضجة عن ابن عباس ومجاهد وقتادة وقيل : في جماعة عن الصادق (ع) وقيل : في رفقة عن سفيان والمعنى : اخذت تصيح وتولول كما قال : (قالَتْ يا وَيْلَتى) (فَصَكَّتْ وَجْهَها) أي جمعت أصابعها فضربت جبينها تعجبا ، عن مقاتل والكلبي وقيل : لطمت وجهها عن ابن عباس والصك : ضرب الشيء بالشيء العريض (وَقالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ) أي انا عجوز عاقر فكيف ألد (قالُوا كَذلِكَ قالَ رَبُّكِ) أي كما قلنا لك قال ربك : انك ستلدين غلاما فلا تشكي فيه (إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ) بخفايا الأمور (قالَ) إبراهيم (ع) لهم (فَما خَطْبُكُمْ) أي فما شأنكم ولأي أمر جئتم؟ (أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ) وكأنه قال قد جئتم لأمر عظيم فما هو (قالُوا إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ) أي عاصين لله ، كافرين لنعمه ، استحقوا العذاب والهلاك ؛ واصل الجرم القطع ، فالمجرم القاطع للواجب بالباطل ، فهؤلاء أجرموا بأن قطعوا الإيمان بالكفر (لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ طِينٍ مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ) هذا مفسر في سورة هود (لِلْمُسْرِفِينَ) أي للمكثرين من المعاصي ، المتجاوزين الحد فيها وقيل : أرسلت الحجارة على الغائبين ، وقلبت القرية بالحاضرين (فَأَخْرَجْنا مَنْ كانَ فِيها) أي في قرى قوم لوط (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) وذلك قوله : (فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ) الآية ؛ وذلك ان الله تعالى أمر لوطا بأن يخرج هو ومن معه من المؤمنين لئلا يصيبهم العذاب (فَما وَجَدْنا فِيها غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) أي غير أهل بيت من المسلمين ، يعني لوطا وبنتيه ، وصفهم الله بالإيمان والإسلام جميعا لأنّه ما من مؤمن إلّا وهو مسلم ، والإيمان : هو التصديق بجميع ما أوجب الله التصديق به ، والإسلام : هو الإستسلام لوجوب عمل الفرض الذي أوجبه الله والزمه ، ووجدان الضالة هو ادراكها بعد طلبها (وَتَرَكْنا فِيها) أي وأبقينا في مدينة قوم لوط (آيَةً) أي علامة (لِلَّذِينَ يَخافُونَ الْعَذابَ الْأَلِيمَ) أي تدلهم على ان الله أهلكهم فيخافون مثل عذابهم ، والترك في الأصل ضد الفعل ، ينافي الأخذ في محل القدرة عليه ، والقدرة عليه قدرة على الأخذ ، وعلى هذا فالترك غير داخل في أفعال الله تعالى ، فالمعنى هنا : انا أبقينا فيها عبرة ، ومثله قوله : (وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ) وقيل : انه الانقلاب ، لأن اقتلاع البلدان لا يقدر عليه إلّا الله تعالى.
٣٨ ـ ٤٦ ـ ثمّ بيّن سبحانه ما نزل بالأمم فقال (وَفِي مُوسى) أي وفي موسى أيضا آية (إِذْ أَرْسَلْناهُ إِلى فِرْعَوْنَ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ) أي بحجة ظاهرة وهي العصا (فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ) أي فأعرض فرعون عن قبول الحق بما كان يتقوى به من جنده وقومه كالركن الذي يقوى به البنيان ، والباء في قوله : بركنه للتعدية ، أي جعلهم يتولون (وَقالَ) لموسى (ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ) أي هو ساحر أو مجنون. وفي ذلك دلالة على جهل فرعون لأن الساحر هو اللطيف الحيلة ، وذلك ينافي صفة المجنون المختلط العقل ، فكيف يوصف شخص واحد بهاتين الصفتين (فَأَخَذْناهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْناهُمْ فِي الْيَمِ) أي فطرحناهم في البحر كما يلقى الشيء في البر.
(وَهُوَ مُلِيمٌ) أتى بما يلام عليه من الكفر والجحود والعتوّ (وَفِي عادٍ) عطف على ما تقدم ، أي وفي عاد أيضا آية ، أي دلالة فيها عظة وعبرة (إِذْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ) أي حين أطلقنا عليهم (الرِّيحَ الْعَقِيمَ) وهي التي عقمت عن أن تأتي بخير من تنشئة سحاب ، أو تلقيح شجر ، أو تذرية طعام ، أو نفع حيوان ، هي ريح الإهلاك. ثم وصفها فقال (ما تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ) أي لم تترك هذه الريح شيئا تمر عليه (إلا جعلته