(ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ) أي ذلك الثواب هو الفضل العظيم من الله إذ نالوا نعيما لا ينقطع بعمل قليل منقطع. ثم قال (ذلِكَ) الفضل الكبير (الَّذِي يُبَشِّرُ اللهُ عِبادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) ليستعجلوا بذلك السرور في الدنيا (قُلْ) لهم يا محمد (لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) إلّا أن تودّوا قرابتي وعترتي وتحفظوني فيهم. وعن ابن عباس قال : لمّا نزلت (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً) الآية قالوا : يا رسول الله من هؤلاء الذين أمرنا الله بمودتهم؟ قال (ص) : عليّ وفاطمة وولدهما.
وذكر أبو حمزة الثمالي في تفسيره : حدّثني عثمان بن عمير ، عن سعيد بن جبير ، عن عبد الله بن عباس : أنّ رسول الله (ص) حين قدم المدينة واستحكم الإسلام قالت الأنصار فيما بينها : نأتي رسول الله (ص) فنقول له : إن تعرك أمور فهذه أموالنا تحكم فيها غير حرج ولا محظور عليك ، فأتوه في ذلك فنزلت : (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) فقرأها عليهم وقال (ص) : تودّون قرابتي من بعدي ، فخرجوا من عنده مسلّمين لقوله ، فقال المنافقون : إن هذا لشيء افتراه في مجلسه أراد بذلك أن يذلّلنا لقرابته من بعده ، فنزلت (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً) فأرسل إليهم فتلاها عليهم فبكوا واشتدّ عليهم ، فأنزل الله : (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ) الآية ، فأرسل في أثرهم فبشّرهم وقال : (وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا) وهم الذين سلّموا لقوله. ثم قال سبحانه : (وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً).
عن السدّي قال : إن اقتراف الحسنة المودّة لآل محمد (ص) ، وصحّ عن الحسن بن علي (ع) أنّه خطب الناس فقال في خطبته : أنا من أهل البيت الذين افترض الله مودتهم على كل مسلم فقال : (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً) ، فاقتراف الحسنة مودّتنا أهل البيت (إِنَّ اللهَ غَفُورٌ شَكُورٌ) أي غفور للسيئات ، شكور للطاعات ، يعامل عباده معاملة الشاكر في توفية الحق حتى كأنّه ممّن وصل إليه النفع فشكره (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً) أي بل يقولون : افترى محمد على الله كذبا في ادعائه (فَإِنْ يَشَإِ اللهُ يَخْتِمْ عَلى قَلْبِكَ) أي لو حدّثت نفسك بأن تفتري على الله كذبا لطبع الله على قلبك ولأنساك القرآن ، فكيف تقدر أن تفتري على الله؟ وهذا كقوله : (لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ). ثم أخبر سبحانه أنه يذهب ما يقولون باطلا فقال : (وَيَمْحُ اللهُ الْباطِلَ) أي يزيله ويرفعه بإقامة الدلائل على بطلانه (وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ) أي يثبت الحقّ بأقواله التي ينزلها على نبيه (ص) وهو هذا القرآن المعجز (إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) أي بضمائر القلوب (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ) وإن جلّت معاصيهم (وَيَعْفُوا عَنِ السَّيِّئاتِ وَيَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ) من خير وشرّ فيجازيهم على ذلك.
٢٦ ـ ٣٠ ـ لمّا تقدّم وعيد أهل العصيان عقبه سبحانه بالوعد لأهل الطاعة فقال : (وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) معناه : يقبل طاعاتهم وعباداتهم ، ويزيدهم من فضله على ما يستحقّونه من الثواب (وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ) ويشفّعهم في إخوان إخوانهم (وَالْكافِرُونَ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ) ظاهر المعنى. ولمّا بيّن سبحانه أنه يزيد المؤمنين من فضله أخبر عقيبه أن الزيادة في الأرزاق في الدنيا تكون على حسب المصالح فقال : (وَلَوْ بَسَطَ اللهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ) أي : لو وسّع الرزق على عباده على حسب ما يطلبونه لبطروا النعمة ، وتنافسوا وتغالبوا وظلموا في الأرض ، وتغلّب بعضهم على بعض ، وخرجوا عن الطاعة ، قال ابن عباس : بغيهم في الأرض طلبهم منزلة بعد منزلة ، ودابة بعد دابة ، وملبسا بعد ملبس (وَلكِنْ يُنَزِّلُ