(وَالْمِيزانَ) أي وأنزل الله العدل ، والميزان : عبارة عن العدل كنّى به عنه ، وإنما سمّي العدل ميزانا لأنّ الميزان آلة الأنصاف والتسوية بين الخلق. ولمّا ذكر العدل أتبعه بذكر الساعة فقال : (وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ) أي وما يدريك يا محمد ولا غيرك لعلّ مجيء الساعة قريب ، وإنّما أخفى الله الساعة ووقت مجيئها على العباد ليكونوا على خوف ، وليبادروا إلى التوبة ، ولو عرّفهم مجيئها لكانوا مغرين بالقبائح قبل ذلك تعويلا على التلافي بالتوبة (يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِها) لجهلهم بأحوالها وأهوالها فلا يخافون ما فيها (وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْها) أي خائفون من مجيئها وهم غير متأهّبين لها (وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُ) أي انّ مجيئها الحق الذي لا خلف فيه (أَلا إِنَّ الَّذِينَ يُمارُونَ) أي تدخلهم المرية والشك (فِي السَّاعَةِ) فيخاصمون في مجيئها على وجه الانكار لها (لَفِي ضَلالٍ) عن الصواب (بَعِيدٍ) حين لم يذكروا فيعلموا أنّ الذي خلقهم أوّلا قادر على بعثهم. ثم قال : (اللهُ لَطِيفٌ بِعِبادِهِ) أي حفيّ بارّ بهم رفيق ، موصل المنافع إلى العباد من وجه يدقّ إدراكه وذلك في الأرزاق التي قسمها الله لعباده ، وصرف الآفات عنهم ، وإيصال السرور والملاذّ إليهم ، وتمكينهم بالقدرة والآلات إلى غير ذلك من ألطافه التي لا يوقف على كنهها لغموضها : ثم قال سبحانه : (يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ) أي : يوسّع الرزق على من يشاء (وَهُوَ الْقَوِيُ) القادر الذي لا يعجز (الْعَزِيزُ) الغالب الذي لا يغالب (مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ) معنى الحرث في اللغة الكسب ، وفلان يحرث لعياله ويحترث أي يكتسب ، أي من كان يريد بعمله نفع الآخرة ويعمل لها نجازه بعمله ، ونضاعف له ثواب عمله ، فنعطيه على الواحد عشرة ونزيد على ذلك ما نشاء (وَمَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ) أي ومن كان يريد بعمله نفع الدنيا نعطه نصيبا من الدنيا لا جميع ما يريده ، بل على حسب ما تقتضيه الحكمة كما قال سبحانه : (عَجَّلْنا لَهُ فِيها ما نَشاءُ لِمَنْ نُرِيدُ) (وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ) وروي عن النبي صلىاللهعليهوآله أنه قال من كانت نيته الدنيا فرّق الله عليه أمره ، وجعل الفقر بين عينيه ، ولم يأته من الدنيا إلّا ما كتب له ، ومن كانت نيته الآخرة جمع الله شمله ، وجعل غناه في قلبه ، وأتته الدنيا راغمة. وقيل : من كان يعمل للآخرة نال الدنيا والآخرة ، ومن عمل للدنيا فلا حظّ له في ثواب الآخرة ، لأن الأعلى لا يجعل تبعا للأدون.
٢١ ـ ٢٥ ـ لمّا أخبر الله سبحانه أنّ من يطلب الدنيا بأعماله فلا حظّ له في خير الآخرة قال : (أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ) أي بل لهؤلاء الكفار شركاء فيما كانوا يفعلونه (شَرَعُوا لَهُمْ) أي بيّنوا لهم ، ونهجوا لهم (مِنَ الدِّينِ ما لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللهُ) أي ما لم يأمر به الله ولا أذن فيه ، أي شرعوا لهم دينا غير دين الإسلام (وَلَوْ لا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ) أي لو لا أنّ الله حكم في كلمة الفصل بين الخلق بتأخير العذاب لهذه الأمة إلى الآخرة لفرغ من عذاب الذين يكذّبونك في الدنيا (وَإِنَّ الظَّالِمِينَ) الذين يكذبونك (لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) في الآخرة (تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ) أي خائفين (مِمَّا كَسَبُوا) أي من جزاء ما كسبوا من المعاصي وهو العقاب الذي استحقّوه (وَهُوَ واقِعٌ بِهِمْ) لا محالة ، لا ينفعهم منه خوفهم من وقوعه ، والإشفاق : الخوف من جهة الرقة على المخوف عليه من وقوع الأمر (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فِي رَوْضاتِ الْجَنَّاتِ) فالروضة : الأرض الخضرة بحسن النبات ، والجنة : الأرض التي يحفّها الشجر (لَهُمْ ما يَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ) أي لهم ما يتمنّون ويشتهون يوم القيامة الذي لا يملك فيه الأمر والنهي غير ربهم ، ولا يريد ب (عند) قرب المسافة ، لأنّ ذلك من صفات الأجسام ، وقيل ((عِنْدَ رَبِّهِمْ)) أي في حكم ربّهم