الجمع فقال : (فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي
السَّعِيرِ) أي فريق منهم في الجنة بطاعتهم ، وفريق منهم في النار
بمعصيتهم (وَلَوْ شاءَ اللهُ
لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً واحِدَةً) أي ولو شاء الله أن يحملهم على دين واحد وهو الإسلام بأن
يلجئهم إليه لفعله ، ولكنه لم يفعله لأنه يؤدّي إلى إبطال التكليف ، والتكليف إنما
يثبت مع الاختيار عن الجبائي.
وقيل انّ معناه :
ولو شاء الله لسوى بين الناس في المنزلة بأن يخلقهم في الجنة ، ولكنّه أختار لهم
أعلى الدرجتين وهو استحقاق الثواب (وَلكِنْ يُدْخِلُ
مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ) وهم المؤمنون (وَالظَّالِمُونَ ما
لَهُمْ مِنْ وَلِيٍ) يواليهم (وَلا نَصِيرٍ) يمنع عنهم عذاب الله (أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ
دُونِهِ أَوْلِياءَ) أي بل اتّخذ الكافرون من دون الله أولياء من الأصنام
والأوثان يوالونهم (فَاللهُ هُوَ
الْوَلِيُ) معناه : انّ المستحق للولاية في الحقيقة هو الله تعالى دون
غيره لأنه المالك للنفع والضرّ (وَهُوَ يُحْيِ
الْمَوْتى) أي يبعثهم للجزاء (وَهُوَ عَلى كُلِّ
شَيْءٍ قَدِيرٌ) من الإحياء والإماتة وغير ذلك (وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ
فَحُكْمُهُ إِلَى اللهِ) معناه : انّ الذي تختلفون فيه من أمور دينكم ودنياكم ،
وتتنازعون فيه فحكمه إلى الله فإنه الفاصل بين المحقّ والمبطل فيه ؛ فيحكم للمحق
بالثواب والمدح ، وللمبطل بالعقاب والذمّ وقيل معناه : فبيان الصواب إلى الله بنصب
الأدلة وقيل : فحكمه إلى الله يوم القيامة فيجازي كلّ واحد بما يستحقّه (ذلِكُمُ اللهُ) الذي يحكم بين المختلفين (رَبِّي) أي هو ربّي (عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ) في مهمّاتي (وَإِلَيْهِ أُنِيبُ) أي إليه أرجع في جميع أموري.
١١ ـ ١٥ ـ ثم وصف
سبحانه نفسه بما يوجب أن لا يعبد غيره فقال : (فاطِرُ السَّماواتِ
وَالْأَرْضِ) أي خالقهما ومبدعهما ابتداء (جَعَلَ لَكُمْ مِنْ
أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً) أي اشكالا مع كل ذكر أنثى يسكن إليها ويألفها (وَمِنَ الْأَنْعامِ أَزْواجاً) أي ذكورا وإناثا لتكمل منافعكم بها (يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ) أي يخلقكم في هذا الوجه الذي ذكر من جعل الأزواج ، فالهاء
في فيه تعود إلى الجعل المراد بقوله (جَعَلَ لَكُمْ) ، وقيل معناه : يذرؤكم في التزاوج لتكثروا به لدلالة
الكلام عليه وهو ذكر الأزواج وقال الزجاج والفراء : معناه يذرؤكم به : أي يكثركم بأن
جعل من أنفسكم أزواجا ومن الأنعام أزواجا.
(لَيْسَ كَمِثْلِهِ
شَيْءٌ) أي ليس مثله شيء ، والكاف مؤكدة لمعنى النفي ، وقال الشاعر
:
سعد بن زيد إذا
أبصرت فضلهم
|
|
ما إن كمثلهم في
الناس من احد
|
وقيل معناه : لو
قدّر الله تعالى مثل لم يكن لذلك المثل مثل (وَهُوَ السَّمِيعُ
الْبَصِيرُ) لما نفى أن يكون له نظير وشبيه على وجه من الوجوه ، بيّن
أنه مع ذلك سميع بصير فإنما المدحة في أنّه لا مثل له مع كونه سميعا بصيرا لجميع
المسموعات والمبصرات (لَهُ مَقالِيدُ
السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي مفاتيح أرزاق السماوات والأرض وأسبابها فتمطر السماء
بأمره ، وتنبت الأرض بإذنه عن مجاهد ، وقيل معناه : خزائن السماوات والأرض ، عن
السدي (يَبْسُطُ الرِّزْقَ
لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ) أي يوسّع الرزق لمن يشاء ، ويضيّق على من يشاء على ما
يعلمه من المصالح للعباد (إِنَّهُ بِكُلِّ
شَيْءٍ عَلِيمٌ) فيفعل ذلك بحسب المصالح. ثم خاطب سبحانه خلقه فقال (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى
بِهِ نُوحاً) أي بيّن لكم ونهج وأوضح من الدين والتوحيد والبراءة من
الشرك ما وصّى به نوحا (وَالَّذِي أَوْحَيْنا
إِلَيْكَ) أي وهو الذي أوحينا إليك يا محمد (وَ) هو (ما وَصَّيْنا بِهِ
إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى) ثم بيّن ذلك بقوله : (أَنْ أَقِيمُوا
الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ) وإقامة الدين : التمسّك به ، والعمل بموجبه ، والدوام عليه
والدعاء إليه ، ولا تتفرّقوا : أي ولا تختلفوا فيه ، وائتلفوا فيه ، واتّفقوا