على جهة الوعد والوعيد ، أي انّه لذو مغفرة لمن آمن بك ، وذو عقاب أليم لمن كذّب بك (وَلَوْ جَعَلْناهُ قُرْآناً أَعْجَمِيًّا) أي لو جعلنا هذا الكتاب الذي تقرؤه على الناس بغير لغة العرب (لَقالُوا لَوْ لا فُصِّلَتْ آياتُهُ) أي هلّا بيّنت بلسان العرب حتى نفهمه (ءَ أَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌ) أي كتاب أعجمي ونبي عربي ، وهذا استفهام على وجه الإنكار ، والمعنى : انهم كانوا يقولون المنزل عليه عربي ، والمنزّل أعجمي. وكان ذلك أشدّ لتكذيبهم ، فبيّن الله سبحانه أنّه أنزل الكتاب بلغتهم ، وأرسل الرسول من عشيرتهم ، ليكون أبلغ في الحجة ، وأقطع للمعذرة (قُلْ) يا محمد لهم (هُوَ) أي القرآن (لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً) من الضلالة (وَشِفاءٌ) من الأوجاع وقيل : وشفاء للقلوب من كلّ شكّ وريب وشبهة ، وسمّى اليقين شفاء كما سمّى الشك مرضا في قوله : (فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) (وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذانِهِمْ وَقْرٌ) أي ثقل وصمم عن سماعه من حيث يثقل عليهم استماعه فلا ينتفعون به فكأنهم صمّ عنه (وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى) عميت قلوبهم عنه ، يعني انهم لما ضلّوا عنه ، وحاروا عن تدبّره فكأنّه عمى لهم (أُولئِكَ يُنادَوْنَ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ) أي انهم لا يسمعون ولا يفهمون كما انّ من دعي من مكان بعيد لم يسمع ولم يفهم ؛ وإنما قال ذلك لبعد افهامهم وشدّة إعراضهم عنه وقيل : لبعده عن قلوبهم عن مجاهد (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ) أي التوراة (فَاخْتُلِفَ فِيهِ) لأنه آمن به قوم ، وكذّب به آخرون ؛ وهذه تسلية للنبي (ص) أيضا عن جحود قومه له ، وانكارهم لنبوّته (وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ) في تأخير العذاب عن قومك ، وأنّه لا يعذبهم وأنت فيهم (لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ) أي لفرغ من عذابهم واستئصالهم (وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ) أي وانّ قومك لفي شك مما ذكرناه ، موقع لهم الريبة ، وهو أفظع الشكّ.
٤٦ ـ ٥٠ ـ ثم احتجّ سبحانه عليهم بأن قال : (مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ) أي من عمل طاعة فلنفسه ، لأنّ ثواب ذلك واصل إليه ، ومنفعته تكون له دون غيره (وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها) أي من عمل معصية فعلى نفسه وبال ذلك ، وعقابه يلحقه دون غيره (وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) وهذا على وجه المبالغة في نفي الظلم عن نفسه للعبيد. وإنّما قال ذلك مع انّه لا يظلم مثقال ذرّة لأمرين : (أحدهما) انّ من فعل الظلم وانّ قلّ وهو عالم بقبحه وبأنّه غنيّ عنه لكان ظلّاما (والآخر) انه على طريق الجواب لمن زعم أنه يظلم العباد ، فيأخذ أحدا بذنب غيره ، ويثيبه بطاعة غيره (إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ) التي يقع فيها الجزاء للمطيع والعاصي وهو يوم القيامة (وَما تَخْرُجُ مِنْ ثَمَراتٍ مِنْ أَكْمامِها) أي وما تخرج ثمرة من أوعيتها وغلفها (وَما تَحْمِلُ مِنْ أُنْثى وَلا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ) أي ولا تحمل أنثى من حمل ذكرا كان أو أنثى ، ولا تضع أنثى إلّا في الوقت الذي علم سبحانه أنها تحمل فيه وتضع فيه ، فيعلم سبحانه قدر الثمار وكيفيتها وأجزاءها وطعومها وروائحها ، ويعلم ما في بطون الحبالى وكيفية انتقالها حالا بعد حال حتى يصير بشرا سويّا (وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ) أي ينادي الله المشركين (أَيْنَ شُرَكائِي) أي في قولكم وزعمكم كما قال : (أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ) (قالُوا آذَنَّاكَ ما مِنَّا مِنْ شَهِيدٍ) أي يقولون : أعلمناك ما منّا شاهد بأنّ لك شريكا ؛ يتبرأون يومئذ من أن يكون مع الله شريك (وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَدْعُونَ مِنْ قَبْلُ) أي بطل عنهم وذهب ما كانوا أملوه من أصنامهم (وَظَنُّوا) أي أيقنوا (ما لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ) أي من مهرب وملجأ من عذاب الله (لا يَسْأَمُ الْإِنْسانُ مِنْ دُعاءِ الْخَيْرِ) قال الكلبي : الإنسان ها هنا يراد به الكافر ، أي لا يملّ الكافر من دعائه الخير ، ولا يزال يسأل ربه الخير الذي هو المال والغنى والصحة والولد (وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ) أي البلاء والشدّة والفقر (فَيَؤُسٌ) أي فهو يؤوس شديد اليأس من الخير (قَنُوطٌ) من الرحمة ، سيّء الظنّ به (وَلَئِنْ أَذَقْناهُ رَحْمَةً مِنَّا) أي خيرا وعافية وغنى (مِنْ بَعْدِ