تقصدون بعبادتكم الله كما تزعمون فاسجدوا لله دون غيره (فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا) عن توجيه العبادة إلى الله وحده (فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ) وهم الملائكة (يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ) أي لا يملّون ولا يفترون ، وهو مفسّر في سورة الأعراف.
(وَمِنْ آياتِهِ) أي ومن أدلّته الدالة على ربوبيته (أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خاشِعَةً) ميتة يابسة لا نبات فيها (فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ) أي تحرّكت بالنبات وربت ، أي انتفخت وارتفعت قبل أن تنبت (وَرَبَتْ) بكثرة ريعها (إِنَّ الَّذِي أَحْياها) أي أحيا الأرض بما أنزله من المطر (لَمُحْيِ الْمَوْتى) في الآخرة مثل ذلك (إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) ظاهر المعنى (إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آياتِنا) أي انّ الذين يميلون عن الإيمان بآياتنا (لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنا) بأشخاصهم وأقوالهم وأفعالهم.
ثم قال سبحانه على وجه الإنكار عليهم ، والتهجين لفعلهم ، والتهديد لهم (أَفَمَنْ يُلْقى فِي النَّارِ خَيْرٌ) وهم الملحدون (أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِناً يَوْمَ الْقِيامَةِ) من عذاب الله وهم المؤمنون المطيعون ، وهذا استفهام تقرير معناه. انّهما لا يستويان (اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ) لفظه لفظ الأمر ومعناه الوعيد والتهديد ، أي فإذا علمتم أنّهما لا يستويان فليختر كلّ واحد منكم لنفسه ما شاء من الأمرين ، فإنّ العاقل لا يختار الإلقاء في النار ، فإذا لم يختر ذلك فلا بدّ أن يؤمن بالآيات فلا يلحد فيها (إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ) أي بأعمالكم (بَصِيرٌ) عالم لا يخفى عليه شيء منها.
ثمّ أخبر سبحانه عنهم مهجّنا لهم فقال : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ) الذي هو القرآن وجحدوه (لَمَّا جاءَهُمْ) أي حين جاءهم. ثم أخذ سبحانه في وصف الذكر (وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ) والمعنى : ان الذكر لكتاب عزيز بأنه لا يقدر أحد من العباد على أن يأتي بمثله. وقيل : إنه عزيز بإعزاز الله عزوجل إيّاه إذ حفظه من التغيير والتبديل وقيل : هو عزيز إذ جعله الله على أتمّ صفات الاحكام. وقيل : عزيز بأنه يجب أن يعزّ ويجلّ بالانتهاء إلى ما فيه وترك الاعراض عنه. وقيل : عزيز أي كريم على الله عزوجل عن ابن عباس (لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ) قيل فيه أقوال : (أحدها) ان الباطل الشيطان ومعناه : لا يقدر الشيطان أن ينقص منه حقا أو يزيد فيه باطلا عن قتادة والسديّ (وثانيها) انه لا يأتيه ما يبطله من بين يديه أي من الكتب التي قبله ولا من خلفه أي لا يجيء من بعده كتاب يبطله أي ينسخه عن ابن عباس والكلبي ومقاتل (وثالثها) معناه : انه ليس في أخباره عمّا مضى باطل ، ولا في أخباره عمّا يكون في المستقبل باطل ، بل أخباره كلّها موافقة لمخبراتها ، وهو المروي عن أبي جعفر (ع) وأبي عبد الله (ع) (ورابعها) لا يأتيه الباطل من جهة من الجهات ، فلا تناقض في ألفاظه ولا كذب في أخباره ، ولا يعارض ، ولا يزاد فيه ، ولا يغيّر ، بل هو محفوظ حجّة على المكلّفين إلى يوم القيامة ، ويؤيّده (تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ) أي هو تنزيل من عالم بوجوه الحكمة (حَمِيدٍ) مستحقّ للحمد على خلقه بالإنعام عليهم ، والقرآن هو من أعظم نعمه فاستحق به الحمد والشكر.
٤٣ ـ ٤٥ ـ ثم عزّى سبحانه نبيه (ص) على تكذيبه فقال : (ما يُقالُ لَكَ إِلَّا ما قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ) أي ما يقول هؤلاء الكفار لك إلّا ما قد قيل للأنبياء قبلك من التكذيب والجحد لنبوتهم عن قتادة والسدّي والجبائي ، وقيل معناه : لا يقول الله لك إلّا ما قد قاله للرسل من قبلك ، وهو الأمر بالدعاء الى الحقّ في عبادة الله ولزوم طاعته ، فهذا القرآن موافق لما قبله من الكتب ، وقيل معناه : ما حكاه تعالى بعده من (إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ وَذُو عِقابٍ أَلِيمٍ) فيكون