ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هذا لِي) أي هذا بعملي وأنا محقوق به ، وهذا لي دائما أبدا (وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً) أي كائنة على ما يقوله المسلمون (وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنى) أي لست على يقين من البعث ، فإن كان الأمر على ذلك ورددت إلى ربّي إنّ لي عنده المنزلة الحسنى وهي الجنة ، سيعطيني في الآخرة مثل ما أعطاني في الدنيا ، ثم هدّد سبحانه من هذه صفته بأن قال : (فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِما عَمِلُوا) أي لنقفنّهم يوم القيامة على مساوىء أعمالهم عن ابن عباس (وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ) أي شديد متراكم.
٥١ ـ ٥٤ ـ ثم أخبر سبحانه عن جهل الإنسان الذي تقدّم وصفه بمواقع نعم الله سبحانه فقال : (وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ أَعْرَضَ) عن الشكر (وَنَأى بِجانِبِهِ) أي بعد بجانبه تكبّرا وتجبّرا عن الاعتراف بنعم الله تعالى.
(وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ) أي الضرّ أو الفقر أو المرض (فَذُو دُعاءٍ عَرِيضٍ) أي فهو ذو دعاء كثير عند ذلك. عن السدّي ، وإنما قال ((فَذُو دُعاءٍ عَرِيضٍ)) ولم يقل طويل ، لأنّه أبلغ ، فإن العرض يدلّ على الطول ، والطول لا يدلّ على العرض. والمراد بالآية : أنّ الكافر يسأل ربّه بالتضرع والدعاء أن يكشف ما به من الضرّ والبلاء ، ويعرض عن الدعاء في الرخاء (قُلْ) يا محمد (أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ) القرآن (مِنْ عِنْدِ اللهِ) وقيل : إن كان هذا الإنعام من عند الله (ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ) وجحدتموه (مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقاقٍ بَعِيدٍ) أي في خلاف للحق بعيد عنه وهو أنتم ، والشقاق : الميل إلى العداوة ، أيّ فلا أحد أضلّ منكم (سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ) اختلف في معناه على أقوال (أحدها) ان المعنى : سنريهم حججنا ودلائلنا على التوحيد في آفاق العالم وأقطار السماء والأرض من الشمس والقمر والنجوم والنبات والأشجار والبحار والجبال ، وفي أنفسهم وما فيها من لطائف الصنعة ، وبدائع الحكمة (حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ) أي يظهر لهم (أَنَّهُ الْحَقُ) أي أنّ الله هو الحق عن عطاء وابن زيد.
(وثانيها) ان معناه سنريهم آياتنا ودلائلنا على صدق محمّد (ص) وصحّة نبوته في الآفاق ، أي بما يفتح من القرى عليه وعلى المسلمين في أقطار الأرض وفي أنفسهم يعني فتح مكة عن السدّي والحسن ومجاهد وقالوا هو ظهور محمد (ص) على الآفاق وعلى مكّة حتّى يعرفوا أنّ ما أتى به من القرآن حقّ ومن عند الله لأنّهم بذلك يعرفون أنه مؤيّد من قبل الله تعالى بعد أن كان واحدا لا ناصر له.
(وثالثها) انّ المراد بقوله في الآفاق وقائع الله في الأمم وفي أنفسهم وقعة يوم بدر عن قتادة.
(ورابعها) انّ معناه سنريهم آياتنا في الآفاق بصدق ما كان يخبرهم به النبي (ص) من الحوادث فيها وفي أنفسهم يعني ما كان بمكّة من انشقاق القمر حتّى يعلموا أنّ خبره حقّ من قبل الله سبحانه.
(أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) موضع قوله بربّك رفع ، والمعنى : أو لم يكف ربّك و ((أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ)) في موضع رفع أيضا ، على البدل ، وإن حملته على اللفظ فهو في موضع جرّ أيضا ، والمفعول محذوف وتقديره : أو لم يكف شهادة ربّك على كلّ شيء ، ومعنى الكفاية هنا أنه سبحانه بيّن للناس ما فيه كفاية من الدلالة على توحيده ، وتصحيح نبوّة رسله ، قال مقاتل : معناه : أو لم يكف ربّك شاهدا أنّ القرآن من عند الله ، وقيل معناه : أو لم يكف ربّك لأنّه على كل شيء شهيد (أَلا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقاءِ رَبِّهِمْ) الا كلمة تنبيه وتأكيد أن الكفار في شك من لقاء ثواب ربّهم وعقابه (أَلا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ) أي أحاط علمه بكل شيء فلا يخفى عليه شيء.