مجاهد. وقيل معناه : ثم استقاموا على طاعته ، وأداء فرائضه عن ابن عباس والحسن وقتادة وابن زيد. وقيل : ثمّ استقاموا في أفعالهم كما استقاموا في أقوالهم وقيل : ثم استقاموا على ما توجبه الربوبية من عبادته ، عن أبي مسلم. وروي عن أنس قال : قرأ علينا رسول الله (ص) هذه الآيات ثم قال : قد قالها ناس ثم كفر أكثرهم ، فمن قالها حي يموت فهو ممن استقام عليها (تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ) يعني عند الموت ، وقيل : إن البشرى تكون في ثلاثة مواطن عند الموت وفي القبر وعند البعث (أَلَّا تَخافُوا وَلا تَحْزَنُوا) أي لا تخافوا ممّا أمامكم من أمور الآخرة ، ولا تحزنوا على ما وراءكم وعلى ما خلّفتم من أهل وولد وقيل : لا تخافوا ولا تحزنوا على ذنوبكم فإني أغفرها لكم ، عن عطا بن أبي رباح وقيل : إن الخوف يتناول المستقبل ، والحزن يتناول الماضي (وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ) بها في دار الدنيا على السنة الأنبياء.
٣١ ـ ٣٥ ـ ثمّ حكى سبحانه أنّ الملائكة تقول للمؤمنين الذين استقاموا بعد البشارة (نَحْنُ أَوْلِياؤُكُمْ) أي نحن معاشر الملائكة أنصاركم وأحبّاؤكم (فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) نتولّى إيصال الخيرات إليكم من قبل الله تعالى (وَفِي الْآخِرَةِ) فلا نفارقكم حتى ندخلكم الجنة (وَلَكُمْ فِيها) أي في الآخرة (ما تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ) من الملاذّ ، وتتمنّونه من المنافع (وَلَكُمْ فِيها ما تَدَّعُونَ) إنّه لكم فإنّ الله سبحانه يحكم لكم بذلك (نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ) معناه : انّ هذا الموعود به مع جلالته في نفسه له جلالة بمعطيه ، إذ هو عطاء لكم ، ورزق يجري عليكم ممّن يغفر الذنوب ، ويستر العيوب رحمة منه لعباده ، فهو أهنأ لكم ، وأكمل لسروركم (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعا إِلَى اللهِ وَعَمِلَ صالِحاً) وتقديره : وليس أحد أحسن قولا ممّن دعا إلى طاعة الله ، وأضاف إلى ذلك أن يعمل الأعمال الصالحة (وَقالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) أي ويقول مع ذلك إنّني من المستسلمين لأمر الله ، المنقادين إلى طاعته. ثم قال سبحانه : (وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ) معناه : لا تستوي الأعمال الحسنة والأعمال القبيحة. ثمّ بيّن سبحانه ما يلزم على الداعي من الرفق بالمدعوّ فقال : (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) خاطب النبي (ص) فقال : ادفع بحقك باطلهم ، وبحلمك جهلهم ، وبعفوك إساءتهم (فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) معناه : فإنك إذا دفعت خصومك بلين ورفق ومداراة صار عدوّك الذي يعاديك في الدين بصورة وليّك القريب ، فكأنّه وليّك في الدين ، وحميمك في النسب (وَما يُلَقَّاها) أي وما يلقّى هذه الفعلة ، وهذه الحالة التي هي دفع السيّئة بالحسنة (إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا) على كظم الغيظ ، واحتمال المكروه (وَما يُلَقَّاها) أي وما يلقّى هذه الخصلة المذكورة ولا يؤتاها (إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) أي ذو نصيب وافر من الرأي والعقل.
٣٦ ـ ٤٢ ـ ثمّ أمر نبيّه (ص) أن يستعيذ بالله إذا صرفه الشيطان عن الاحتمال فقال : (وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ) ان ما يدعونّك نزغ من الشيطان بالوسوسة (فَاسْتَعِذْ بِاللهِ) أي فاطلب الاعتصام من شرّه بالله (إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) الآية مفسّرة في آخر سورة الأعراف (وَمِنْ آياتِهِ) أي حججه الدالة على وحدانيته ، وأدلته على صفاته التي باين بها جميع خلقه (اللَّيْلُ) بذهاب الشمس عن بسيط الأرض (وَالنَّهارُ) بطلوعها على وجهها ، وتقديرهما على وجه مستقرّ ، وتدبيرهما على نظام مستمرّ (وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ) وما اختصّا به من النور ، وظهر فيهما من التدبير في المسير والتصريف في فلك التدوير (لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ) وإن كان فيهما منافع كثيرة لأنهما ليس بخالقين (وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَ) وأنشأهنّ (إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) إن كنتم