وأدّى بكم إلى الكفر (فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ) أي فظللتم من جملة من خسرت تجارته لأنّكم خسرتم الجنة ، وحصلتم في النار ، قال الصادق عليهالسلام : ينبغي للمؤمن أن يخاف الله خوفا كأنّه مشرف على النار ، ويرجوه رجاء كأنّه من أهل الجنة ، إنّ الله تعالى يقول : ((وَذلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ)) الآية ، ثم قال : إن الله عند ظنّ عبده به ، إن خيرا فخير ، وإن شرّا فشرّ ؛ ثم أخبر سبحانه عن حالهم فقال (فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ) أي فإن يصبر هؤلاء على النار وآلامها ، وليس المراد به الصبر المحمود ولكنه الامساك عن اظهار الشكوى ، وعن الاستغاثة ، فالنار مسكن لهم (وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَما هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ) أي وإن يطلبوا العتبى ، وسألوا الله تعالى أن يرضى عنهم ، فليس لهم طريق إلى الإعتاب فما هم ممّن يقبل عذرهم ، ويرضى عنهم. وتقدير الآية : انهم إن صبروا وسكتوا ، أو جزعوا فالنار مأواهم كما قال سبحانه : (اصْلَوْها فَاصْبِرُوا أَوْ لا تَصْبِرُوا سَواءٌ عَلَيْكُمْ ،) والمعتب هو الذي يقبل عتابه ، ويجاب إلى ما سأل وقيل معناه : وإن يستغيثوا فما هم من المغاثين (وَقَيَّضْنا لَهُمْ قُرَناءَ) أي هيّأنا لهم قرناء من الشياطين.
وقيل : معناه : خلّينا بينهم وبين قرناء السوء بما استوجبوه من الخذلان عن الحسن (فَزَيَّنُوا لَهُمْ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ) أي زيّنوا لهم ما بين أيديهم من أمر الدنيا حتى آثروا وعملوا له ، وما خلفهم من أمر الآخرة بدعائهم إلى أنّه لا بعث ولا جزاء. وقيل : ما بين أيديهم ما قدّموه من أفعالهم السيئة حتى ارتكبوها ، وما خلفهم ما سنّوه لغيرهم ممّن يأتي بعدهم (وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ) أي وجب عليهم الوعيد والعذاب (فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ) أي صاروا في أمم أمثالهم كذّبوا كتكذيبهم قد مضوا قبلهم وجب عليهم العذاب بعصيانهم. ثم قال سبحانه : (إِنَّهُمْ كانُوا خاسِرِينَ) خسروا الجنة ونعيمها.
٢٦ ـ ٣٠ ـ (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا) أي قال رؤساؤهم لأتباعهم أو قال بعضهم لبعض يعني كفار قريش (لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ) الذي يقرؤه محمد ولا تصغوا إليه (وَالْغَوْا فِيهِ) أي عارضوه باللغط والباطل ، وبما لا يعتدّ به من الكلام (لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ) أي لتغلبوه باللغو والباطل ، ولا يتمكن أصحابه من الاستماع. وقيل معناه ارفعوا أصواتكم في وجهه بالشعر والرجز (فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذاباً شَدِيداً) في الدنيا بالأسر والقتل يوم بدر. وقيل في الآخرة (وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ) أي نجازيهم بأقبح الجزاء على أقبح معاصيهم وهو الكفر والشرك ، وخصّ الأسوأ بالذكر للمبالغة في الزجر (ذلِكَ) يعني ما تقدّم الوعيد به (جَزاءُ أَعْداءِ اللهِ) الذين عادوه بالعصيان والكفر ، وعادوا أولياءه من الأنبياء والمؤمنين (النَّارُ) وهي النار والكون فيها (لَهُمْ فِيها دارُ الْخُلْدِ) أي منزل الدوام والتأبيد (جَزاءُ) لهم وعقوبة (بِما كانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ) يعني القرآن ، يجحدون بأنه من عند الله (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا) أي وسيقول الكفار في النار (رَبَّنا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ) والمراد بذلك كلّ من أبدع الكفر والضلالة من الجنّ والإنس (نَجْعَلْهُما تَحْتَ أَقْدامِنا لِيَكُونا مِنَ الْأَسْفَلِينَ) تمنّوا لشدّة عداوتهم لهم ، وبغضهم إيّاهم بما أضلّوهم وأغووهم أن يجعلوهم تحت أقدامهم في الدرك الأسفل من النار.
ولما ذكر سبحانه وعيد الكفار عقبه بذكر الوعد للمؤمنين الأبرار فقال : (إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللهُ) أي وحّدوا الله تعالى بلسانهم واعترفوا به ، وصدّقوا أنبياءه (ثُمَّ اسْتَقامُوا) أي استمرّوا على أن الله ربهم وحده لم يشركوا به شيئا عن