والذلّ ، وهو العذاب الذي يجزون في الدنيا فيوقنوا بقوّة معذّبهم وبقدرته عليهم ، ويظهر ذلك لمن رأى حالهم (وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَخْزى) أفضح من ذلك (وَهُمْ لا يُنْصَرُونَ) أي لا يدفع عنهم العذاب الذي ينزل بهم.
ثم ذكر قصة ثمود فقال : (وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ) أي بيّنا لهم سبيل الخير والشر (فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى) فاختاروا العمى في الدين على قبول الهدى وبئس الاختيار ذلك (فَأَخَذَتْهُمْ صاعِقَةُ الْعَذابِ الْهُونِ) أي ذي الهون وهو الذي يهينهم ويخزيهم وقد قيل : إنّ كلّ عذاب صاعقة لأنّ كلّ من يسمعها يصعق لها (بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) من تكذيبهم صالحا ، وعقرهم الناقة (وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ) الشرك ، أي ونجّينا صالحا ومن آمن به من العذاب.
ثم أخبر سبحانه عن أحوال الكفار يوم القيامة فقال : (وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْداءُ اللهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ) أي يحبس أولهم على آخرهم ليتلاحقوا ولا يتفرّقوا والمعنى : إذا حشروا وقفوا (حَتَّى إِذا ما جاؤُها) أي جاؤوا النار التي حشروا إليها (شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) أي شهد عليهم سمعهم بما قرعه من الدعاء إلى الحق فأعرضوا عنه ولم يقبلوه ، وأبصارهم بما رأوا من الآيات الدالة على وحدانية الله فلم يؤمنوا ، وسائر جلودهم بما باشروه من المعاصي والأفعال القبيحة.
وقيل في شهادة الجوارح قولان : (أحدهما) ان الله تعالى يبنيها بنية الحيّ ويلجئها إلى الاعتراف بما فعله أصحابه (والآخر) انّ الله يفعل فيها الشهادة ، وإنما أضاف الشهادة إليها مجازا ، وقيل في ذلك أيضا وجه ثالث : هو أنّه يظهر فيها أمارات دالة على كون أصحابها مستحقّين للنار ، فسمّى ذلك شهادة مجازا كما يقال عيناك تشهدان بسهرك وقيل : ان المراد بالجلود هنا الفروج على طريق الكناية عن ابن عباس والمفسّرين.
٢١ ـ ٢٥ ـ ثمّ حكى سبحانه عنهم بقوله : (وَقالُوا) يعني الكفار (لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا) أي يعاتبون أعضاءهم فيقولون لها : لم شهدتم علينا (قالُوا) أي فتقول جلودهم في جوابهم (أَنْطَقَنَا اللهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ) أي مما ينطق والمعنى : أعطانا الله آلة النطق والقدرة على النطق وتمّ الكلام.
ثم قال سبحانه : (وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) في الآخرة ، أي إلى حيث لا يملك أحد الأمر والنهي سواه تعالى (وَما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ) أي من أن يشهد (عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ) معناه : وما كنتم تستخفون ، أي لم يكن يتهيّأ لكم أن تستروا أعمالكم عن هذه الأعضاء لأنّكم كنتم بها تعملون ، فجعلها الله شاهدة عليكم في القيامة. وقيل معناه : وما كنتم تتركون المعاصي حذرا أن تشهد عليكم جوارحكم بها لأنّكم ما كنتم تظنون ذلك (وَلكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ) لجهلكم بالله تعالى فهان عليكم ارتكاب المعاصي لذاك.
وروي عن ابن مسعود : أنها نزلت في ثلاثة نفر تسارّوا وقالوا : أترى الله يسمع سرارنا؟ ويجوز أن يكون المعنى انّكم عملتم عمل من ظنّ أنّ عمله يخفى على الله كما يقال : أهلكت نفسي : أي عملت عمل من أهلك النفس وقيل : انّ الكفار كانوا يقولون : انّ الله لا يعلم ما في أنفسنا ولكنه يعلم ما يظهر عن ابن عباس.
(وَذلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْداكُمْ) ذلكم مبتدأ ، وظنّكم خبره ، وأرداكم خبر ثان ، ويجوز أن يكون ظنّكم بدلا من ذلكم ويكون المعنى : ظنّكم الذي ظننتم بربكم أنّه لا يعلم كثيرا ممّا تعملون أهلككم إذ هون عليكم أمر المعاصي ،