عباس : كانت بخار الأرض ؛ وأصل الاستواء الاستقامة ، والقصد للتدبير المستقيم تسوية له ، وقيل معناه : ثم استوى أمره الى السماء ، عن الحسن (فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ) قال ابن عباس : أتت السماء بما فيها من الشمس والقمر والنجوم ، وأتت الأرض بما فيها من الأنهار والأشجار والثمار ، وليس هناك أمر بالقول على الحقيقة ، ولا جواب لذلك القول ، بل أخبر الله سبحانه عن اختراعه السماوات والأرض ، وإنشائه لهما من غير تعذّر ولا كلفة ولا مشقّة ، بمنزلة ما يقال للمأمور : افعل فيفعل ، من غير تلبّث ولا توقّف ، فعبّر عن ذلك بالأمر والطاعة ، وهو كقوله ((إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ)) ، وإنما قال : ((أَتَيْنا طائِعِينَ)) ، ولم يقل : أتينا طائعتين ، لأنّ المعنى : اتينا بمن فينا من العقلاء ، فغلب حكم العقلاء ، عن قطرب. وقيل : إنّه لمّا خوطبن خطاب من يعقل جمعن جمع من يعقل ، كما قال : ((وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ)). (فَقَضاهُنَ) أي صنعهن وأحكمهن وفرغ من خلقهن (سَبْعَ سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ) يوم الخميس والجمعة (وَأَوْحى فِي كُلِّ سَماءٍ أَمْرَها) أي خلق فيها ما أراده من ملك وغيره (وَزَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ) سمّى الكواكب مصابيح لأنه يقع الاهتداء بها كقوله : ((وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ)) (وَحِفْظاً) أي وحفظناها من استماع الشياطين (ذلِكَ) الذي ذكر (تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ) في ملكه لا يمتنع عليه شيء (الْعَلِيمِ) بمصالح خلقه لا يخفى عليه شيء. ثمّ عقّب سبحانه دلائل التوحيد بذكر الوعيد لأهل الشرك والجحود من العبيد فقال : (فَإِنْ أَعْرَضُوا) عن الإيمان بك بعد هذا البيان (فَقُلْ) يا محمد لهم مخوّفا إيّاهم (أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ) أي استعدّوا للعذاب فقد خوّفتكم عذابا مثل عذاب عاد وثمود لما أعرضوا عن الإيمان ، والصاعقة : المهلكة من كلّ شيء ، وهي في العرف اسم للنار التي تنزل من السماء فتحرق (إِذْ جاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ) نزلت بهم حين أتتهم الرسل من قبلهم ومن بعدهم يعني به الرسل الذين جاؤوا آباءهم ، والرسل الذين جاؤوهم في أنفسهم (أَلَّا تَعْبُدُوا) أي أرسلناهم بأن لا تعبدوا (إِلَّا اللهَ) وحده ولا تشركوا بعبادته غيره (قالُوا) أي فقال المشركون عند ذلك (لَوْ شاءَ رَبُّنا) أن نؤمن به ونخلع الأنداد (لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً) تدعونا إلى ذلك ولم يبعث بشرا مثلنا ، وكأنّهم أنفوا من الانقياد لبشر مثلهم ، وجهلوا أن الله تعالى يبعث الأنبياء على حسب ما يعلمه من مصالح عباده ، ويعلم من يصلح للقيام بأعباء النبوة (فَإِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ) أي أظهروا الكفر بهم والجحود ، ثم فصّل سبحانه أخبارهم فقال (فَأَمَّا عادٌ فَاسْتَكْبَرُوا) أي تجبّروا وعتوا (فِي الْأَرْضِ) وتكبّروا على أهلها (بِغَيْرِ الْحَقِ) أي بغير حقّ جعله الله لهم بل للكفر المحض ، والظلم الصراح (وَقالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً) اغترّوا بقوّتهم لما هدّدهم هود بالعذاب فقالوا : نحن نقدر على دفعه بفضل قوّتنا إذ لا أحد أشدّ منّا قوة ، فقال الله سبحانه ردّا عليهم : (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً) أي أو لم يعلموا أن الله الذي خلقهم وخلق فيهم هذه القوّة أعظم اقتدارا منهم فلو شاء أهلكهم (وَكانُوا بِآياتِنا) أي بدلالاتنا (يَجْحَدُونَ) ينكرونها ولا يعترفون بها.
١٦ ـ ٢٠ ـ ثم أخبر سبحانه عن إهلاكهم بقوله (فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً) أي عاصفا شديدة الصوت من الصرّة وهي الصيحة (فِي أَيَّامٍ نَحِساتٍ) أي نكدات مشؤومات ذوات نحوس. والنحس سبب الشر ، والسعد سبب الخير ، وبذلك سمّيت سعود النجوم ونحوسها (لِنُذِيقَهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) أي فعلنا ذلك بهم لنذيقهم عذاب الهون