الوعد ، وينذر الكافر بما فيه من الوعيد (فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ) يعني أهل مكة عدلوا عن الإيمان بالله والتدبّر فيه (فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ) أي لا يسمعونه سمع تفكّر وقبول فكأنهم لا يسمعونه حقيقة (وَقالُوا قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ) أي في أغطية (مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ) فلا نفقه ما تقول ، وإنما قالوا ذلك ليؤيسوا النبي (ص) من قبولهم دينه ، فكأنّهم شبّهوا قلوبهم بما يكون في غطاء فلا يصل إليه شيء ممّا وراءه (وَفِي آذانِنا وَقْرٌ) أي ثقل عن استماع القرآن وصمم (وَمِنْ بَيْنِنا وَبَيْنِكَ حِجابٌ) أي بيننا وبينك فرقة في الدين ، وحاجز في النحلة ، فلا نوافقك على ما تقول (فَاعْمَلْ إِنَّنا عامِلُونَ) إنّ أبا جهل رفع ثوبا بينه وبين النبي (ص) فقال : يا محمد أنت من ذلك الجانب ، ونحن من هذا الجانب ، فاعمل أنت على دينك ومذهبك إننا عاملون على ديننا ومذهبنا.
٦ ـ ١٠ ـ ثم قال لنبيّه (ص) (قُلْ) يا محمّد لهؤلاء الكفار (إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ) من ولد آدم لحم ودم ، وإنّما خصّني الله تعالى بنبوته ، وميّزني منكم بأن أوحى إليّ ، ولو لا الوحي ما دعوتكم وهو قوله (يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ) لا شريك له في العبادة (فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ) أي لا تميلوا عن سبيله ، وتوجّهوا إليه بالطاعة (وَاسْتَغْفِرُوهُ) من الشرك ، واطلبوا المغفرة لذنوبكم من جهته ، ثم أوعدهم فقال (وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ) أي لا يعطون الزكاة المفروضة وفيه دلالة على أنّ الكفار مخاطبون بالشرائع (وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ) وهم مع ذلك جاحدون بما أخبر الله تعالى به من أحوال الآخرة ، ثم عقّب سبحانه ما ذكره من وعيد الكافرين بذكر الوعد للمؤمنين فقال : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا) أي صدّقوا بأمر الآخرة من الثواب والعقاب (وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) أي الطاعات (لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ) أي لهم جزاء على ذلك غير مقطوع بل هو متّصل دائم. ثم وبّخهم سبحانه على كفرهم فقال (قُلْ) يا محمد لهم على وجه الإنكار عليهم (أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ) وهذا استفهام تعجيب ، أي كيف تستجيزون أن تكفروا وتجحدوا نعمة من خلق الأرض (فِي يَوْمَيْنِ) أي في مقدار يومين (وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْداداً) أي أمثالا وأشباها (ذلِكَ رَبُّ الْعالَمِينَ) أي ذلك الذي خلق الأرض في يومين خالق العالمين ، ومالك التصرف فيهم (وَجَعَلَ فِيها) أي في الأرض (رَواسِيَ) أي جبالا راسيات ثابتات (مِنْ فَوْقِها) أي من فوق الأرض (وَبارَكَ فِيها) بأن أنبت شجرها من غير غرس ، وأخرج نبتها من غير زرع وبذر ، وأودعها مما ينتفع به العباد (وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها) أي قدّر في الأرض أرزاق أهلها على حساب الحاجة إليها في قوام أبدان الناس وسائر الحيوان (فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ) أي في تتمّة أربعة أيام من حين ابتداء الخلق (سَواءً لِلسَّائِلِينَ) أي مستوية كاملة من غير زيادة ولا نقصان للسائلين عن مدّة خلق الأرض. وعلّة خلق الأرض وما فيها في أربعة أيام فإنما خلق ذلك شيئا بعد شيء في هذه الأيام الأربعة ليعلم الخلق أن من الصواب التأنّي في الأمور وترك الاستعجال فيها ، فإنّه سبحانه كان قادرا على ذلك في لحظة واحدة.
١١ ـ ١٥ ـ (ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ) أي ثمّ قصد الى خلق السماء ، كانت السماء دخانا ، وقال ابن
__________________
قال الإمام الصّادق عليهالسلام : إنّ هذا القرآن فيه منار الهدى ، ومصابيح الدجى ، فليجل جال بصره ، ويفتح للضياء نظره ، فإنّ التفكر حياة قلب البصير ، كما يمشي المستنير في الظلمات بالنور. أصول الكافي : ٢ / ٦٠٠.