كُلِّ شَيْءٍ) أي محدث كل شيء ومبدعه (وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ) أي حافظ مدبّر (لَهُ مَقالِيدُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) واحدها مقليد ومقلاد ، يريد مفاتيح السماوات والأرض بالرزق والرحمة (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللهِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ) لأنهم يخسرون الجنة ونعيمها ، ويصلون النار وسعيرها. ثم أعلم سبحانه أنه المعبود لا معبود سواه بقوله (قُلْ) يا محمد لهؤلاء الكفار (أَفَغَيْرَ اللهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ) أي أتأمرونني أن أعبد غير الله (أَيُّهَا الْجاهِلُونَ) فيما تأمرونني به بعبادة من لا يسمع ولا يبصر ولا ينفع ولا يضرّ. ثم قال لنبيّه صلىاللهعليهوآلهوسلم (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ) يا محمد (وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ) من الأنبياء والرسل (لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ) قال ابن عباس : هذا أدب عن الله تعالى لنبيّه صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وتهديد لغيره لأن الله تعالى قد عصمه من الشرك ومداهنة الكفار. ثم أمر سبحانه بالتوحيد فقال : (بَلِ اللهَ فَاعْبُدْ) أي وجّه عبادتك إليه تعالى وحده دون الأصنام (وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ) الذين يشكرون الله على نعمه ، ويخلصون العبادة له.
٦٧ ـ ٧٠ ـ ثم أخبر سبحانه عن أحوالهم فقال (وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ) أي ما عظّموا الله حقّ عظمته إذ عبدوا غيره (وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ) والقبضة في اللغة : ما قبضت عليه بجميع كفّك ، أخبر سبحانه عن كمال قدرته فذكر أن الأرض كلها مع عظمها في مقدوره كالشيء الذي يقبض عليه القابض بكفّه فيكون في قبضته ؛ وهذا تفهيم لنا على عادة التخاطب فيما بيننا لأنا نقول : هذا في قبضة فلان ، وفي يد فلان ، إذا هان عليه التصرف فيه وإن لم يقبض عليه ؛ وكذا قوله (وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ) أي يطويها بقدرته كما يطوي الواحد منّا الشيء المقدور له طيّه بيمينه ؛ وذكر اليمين للمبالغة في الاقتدار والتحقيق للملك كما قال : (أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) ، أي ما كانت تحت قدرتكم ، إذ ليس الملك يختص باليمين دون الشمال وسائر الجسد. ثم نزّه سبحانه نفسه عن شركهم فقال (سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ) أي عمّا يضيفونه إليه من الشبيه والمثل (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ) وهو قرن ينفخ فيه إسرافيل ؛ ووجه الحكمة في ذلك أنها علامة جعلها الله ليعلم بها العقلاء آخر أمرهم في دار التكليف ، ثم تجديد الخلق. فشبّه ذلك بما يتعارفونه من بوق الرحيل والنزول ، ولا تتصوره النفوس بأحسن من هذه الطريقة وقيل : ان الصور جمع صورة فكأنّه نفخ في صورة الخلق (فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ) أي يموت من شدة تلك الصيحة التي تخرج من الصور جميع من في السماوات والأرض يقال : صعق فلان إذا مات بحال هائلة شبيهة بالصيحة العظيمة (إِلَّا مَنْ شاءَ اللهُ) هم جبرائيل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت وقيل : هم الشهداء الذين قتلوا في سبيل الله (ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرى) يعني نفخة البعث وهي النفخة الثانية ، وإن ما بين النفختين أربعين سنة ، وقيل ان الله تعالى يفني الأجسام كلها بعد الصعق وموت الخلق ثم يعيدها وقوله (فَإِذا هُمْ قِيامٌ) إخبار عن سرعة إيجادهم لأنه سبحانه إذا نفخ النفخة الثانية أعادهم عقيب ذلك فيقومون من قبورهم أحياء (يَنْظُرُونَ) أي ينتظرون ما يفعل بهم ، وما يؤمرون به (وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّها) أي أضاءت الأرض بعدل ربها يوم القيامة لأن نور الأرض بالعدل ، كما ان نور العلم بالعمل وقيل : بنور يخلقه الله عزوجل يضيء به أرض القيامة من غير شمس ولا قمر (وَوُضِعَ الْكِتابُ) أي كتب الأعمال التي كتبتها الملائكة على بني آدم توضع في أيديهم ليقرؤوا منها أعمالهم ، أي يوضع كتاب كل إنسان في يمينه أو شماله (وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَداءِ) أي يعطى بهم ؛ والشهداء هم الذين يشهدون للأنبياء على الأمم بأنهم قد