(وَنَصَرْناهُمْ فَكانُوا هُمُ الْغالِبِينَ) القاهرين بعد أن كانوا مغلوبين مقهورين (وَآتَيْناهُمَا الْكِتابَ الْمُسْتَبِينَ) يعني التوراة الداعي إلى نفسه بما فيه من البيان ، وكذلك كل كتب الله تعالى بهذه الصفة (وَهَدَيْناهُمَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) أي دللناهما على الطريق المؤدّي إلى الحق الموصل إلى الجنة (وَتَرَكْنا عَلَيْهِما) الثناء الجميل (فِي الْآخِرِينَ) بأن قلنا (سَلامٌ عَلى مُوسى وَهارُونَ) وقد مرّ القول في ذلك (إِنَّا كَذلِكَ) مثل ما فعلنا بهما (نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) نفعل بالمطيعين ؛ نجزيهم ذلك على طاعاتهم ، وفي هذا دلالة على ان ما ذكره الله كان على وجه الثواب لموسى وهارون ومن تقدم ذكره لأن لفظ الجزاء يفيد ذلك (إِنَّهُما مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ) أي من جملة عبادنا المصدقين بجميع ما أوجبه الله تعالى عليهم ، العاملين بذلك.
١٢٣ ـ ١٣٢ ـ ثم بيّن سبحانه قصة الياس فقال (وَإِنَّ إِلْياسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ) واختلف فيه فقيل : هو إدريس عن ابن مسعود وقتادة وقيل : هو من أنبياء بني إسرائيل من ولد هارون بن عمران ابن عم اليسع عن ابن عباس ومحمد بن إسحاق وغيرهما ، قالوا : انه بعث بعد حزقيل لما عظمت الأحداث في بني إسرائيل وكان يوشع لما فتح الشام بوّأها بني إسرائيل وقسّمها بينهم ، فأحلّ سبطا منهم ببعلبك وهم سبط إلياس بعث فيهم نبيا إليهم فأجابه الملك ، ثم ان امرأته حملته على أن ارتدّ وخالف إلياس وطلبه ليقتله فهرب إلى الجبال والبراري وقيل : انه استخلف اليسع على بني إسرائيل ورفعه الله تعالى من بين أظهرهم وقطع عنه لذة الطعام والشراب ، وكساه الريش فصار انسيا ملكيا أرضيا سماويا ، وسلّط الله على الملك وقومه عدوّا لهم فقتل الملك وامرأته ، وبعث الله اليسع رسولا فآمنت به بنو إسرائيل وعظّموه ، وانتهوا إلى أمره عن ابن عباس وقيل : إن إلياس صاحب البراري ، والخضر صاحب الجزائر ، ويجتمعان في كل يوم عرفة بعرفات وذكر وهب انه ذو الكفل (إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ أَلا تَتَّقُونَ) عذاب الله ونقمته بامتثال أوامره ، واجتناب نواهيه (أَتَدْعُونَ بَعْلاً) يعني صنما لهم من ذهب كانوا يعبدونه عن عطا والبعل بلغة أهل اليمن هو الرب والسيد ، عن عكرمة ومجاهد وقتادة والسدي فالتقدير : أتدعون ربا غير الله تعالى (وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخالِقِينَ) أي تتركون عبادة أحسن الخالقين (اللهَ رَبَّكُمْ) أي خالقكم ورازقكم فهو الذي تحق له العبادة (وَرَبَّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ) وخالق من مضى من آبائكم وأجدادكم (فَكَذَّبُوهُ) فيما دعاهم إليه ولم يصدّقوه (فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ) للحساب أو في العذاب والنار (إِلَّا عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ) استثنى من جملتهم الذين أخلصوا عبادتهم لله من قومه (وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ) فيه القولان اللذان ذكرناهما (سَلامٌ عَلى إِلْ ياسِينَ) قال إبن عباس : آل يس آل محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم وياسين من أسمائه ، ومن قرأ الياسين أراد الياس ومن اتبعه ، وقيل : يس اسم السورة ، فكأنه قال : سلام على من آمن بكتاب الله تعالى ، والقرآن الذي هو يس (إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) بإحسانهم (إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ) المصدقين العاملين بما أوجبناه عليهم.
١٣٣ ـ ١٤٨ ـ ثم عطف سبحانه على ما تقدّم خبر لوط فقال (وَإِنَّ لُوطاً لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ) أي رسولا من جملة من أرسله الله إلى خلقه ، داعيا لهم إلى طاعته ، ومنبّها لهم على وحدانيته (إِذْ نَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ) إذ يتعلق بمحذوف ، وكأنه قيل : اذكر يا محمد إذ نجيناه أي خلّصناه ومن آمن به من قومه من عذاب الاستئصال (إِلَّا عَجُوزاً فِي الْغابِرِينَ) أي في الباقين الذين اهلكوا ؛ استثنى من جملة قومه امرأته فقال (ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ) أي أهلكناهم (وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ وَبِاللَّيْلِ) هذا خطاب لمشركي العرب ، أي تمرّون