إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ ما ذا تَرى) معنى الآية : ان إبراهيم قال لابنه : إني أبصرت في المنام رؤيا تأويلها الأمر بذبحك فانظر ماذا تراه أو أيّ شيء ترى من الرأي؟ ولا يجوز أن يكون ترى ها هنا بمعنى تبصر لأنه لم يشر إلى شيء يبصر بالعين ولا يجوز أن يكون بمعنى علم أو ظن أو أعتقد لأن هذه الأشياء تتعدى إلى مفعولين وليس هنا إلّا مفعول واحد ، مع استحالة المعنى فلم يبق إلّا مفعول واحد مع استحالة المعنى فلم يبق إلّا أن يكون من الرأي ، والأولى أن يكون الله تعالى قد أوحى إليه في حال اليقظة وتعبّده بأن يمضي ما يأمره به في حال نومه من حيث ان منامات الأنبياء لا تكون إلّا صحيحة ، ولو لم يأمره بذلك في حال اليقظة لما كان يجوز أن يعمل على ما يراه في المنام. وقال قتادة : رؤيا الأنبياء حق إذا رأوا شيئا فعلوه وقال أبو مسلم رؤيا الأنبياء مع إن جميعها صحيحة ضربان (أحدهما) أن يأتي الشيء كما رأوه ومنه قوله سبحانه لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام الآية (والآخر) ان يكون عبارة عن خلاف الظاهر مما رأوه في المنام وذلك كرؤيا يوسف الأحد عشر كوكبا والشمس والقمر ساجدين وكأن رؤيا ابراهيم من هذا القبيل لكنّه لم يأمن ان يكون ما رآه مما يلزمه العمل به على الحقيقة وقال إبن عباس : منامات الأنبياء وحي (قالَ يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ) أي ما أمرت به (سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ) أي ستصادفني بمشيئة الله وحسن توفيقه ممن يصبر على الشدائد في جنب الله ، ويسلّم لأمره (فَلَمَّا أَسْلَما) أي استسلما لأمر الله ، ورضيا به وأطاعاه (وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ) معناه : وضع جبينه على الأرض لئلا يرى وجهه فتلحقه رقة الآباء (وَنادَيْناهُ أَنْ يا إِبْراهِيمُ) أي بهذا الضرب من القول (قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا) فعلت ما أمرت به في الرؤيا (إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) أي كما جزيناه بالعفو عن ذبح ابنه نجزي من سلك طريقهما في الإحسان بالإستسلام ، والانقياد لأمر الله (إِنَّ هذا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ) أي ان هذا لهو الامتحان الظاهر ، والاختبار الشديد وقيل ان هذا لهو النعمة الظاهرة وتسمى النعمة بلاء بسببها المؤدّي إليها كما يقال لأسباب الموت هي الموت لأنها تؤدي إليه. والذبيح اسماعيل ، ويعضده قوله بعد قصة الذبح : (وَبَشَّرْناهُ بِإِسْحاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ). وقال الاصمعي : سألت أبا عمرو بن العلاء عن الذبيح إسحاق أم إسماعيل؟ فقال : يا اصمعي أين ذهب عنك عقلك ، ومتى كان إسحاق بمكة؟ وإنما كان بمكة إسماعيل وهو بنى البيت مع أبيه ، والمنحر بمكة لا شكّ فيه (وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ) الفداء جعل الشيء مكان الشيء لدفع الضرر عنه ، والذبح : هو المذبوح وما يذبح ومعناه : انا جعلنا الذبح بدلا عنه كالأسير يفدى بشيء. كان كبشا من الغنم ، وسمّي عظيما لأنه كان مقبولا ، ولأنه كان فداء عبد عظيم (وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ سَلامٌ عَلى إِبْراهِيمَ كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ) قد مضى تفسير ذلك (وَبَشَّرْناهُ بِإِسْحاقَ) أي بولادة إسحاق (نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ) أي ولدا نبيّا من جملة الأنبياء الصالحين (وَبارَكْنا عَلَيْهِ وَعَلى إِسْحاقَ) أي وجعلنا فيما أعطيناهما من الخير والبركة ، يعني النماء والزيادة ، معناه : وجعلنا ما أعطيناهما من الخير دائما ثابتا ناميا ، ويجوز أن يكون أراد كثرة ولدهما ، وبقائهم قرنا بعد قرن ، الى أن تقوم الساعة (وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِما) أي ومن أولاد إبراهيم وإسحاق (مُحْسِنٌ) بالإيمان والطاعة (وَظالِمٌ لِنَفْسِهِ) بالكفر والمعاصي (مُبِينٌ) بين الظلم.
١١٤ ـ ١٢٢ ـ (وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلى مُوسى وَهارُونَ) أي أنعمنا عليهما نعما فمنها النبوة ومنها النجاة من آل فرعون (وَنَجَّيْناهُما وَقَوْمَهُما) بني إسرائيل (مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ) من تسخير قوم فرعون إياهم ، واستعمالهم في الأعمال الشاقة