٨٣ ـ ١٠٠ ـ ثم أتبعه سبحانه وتعالى بقصة إبراهيم عليهالسلام فقال (وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْراهِيمَ) أي وإن من شيعة نوح إبراهيم ، يعني انه على منهاجه وسنّته في التوحيد والعدل واتباع الحق (إِذْ جاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) أي حين صدق الله وآمن به بقلب سليم خالص من الشرك ، بريء من المعاصي والغل والغش ، على ذلك عاش وعليه مات (إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ) حين رآهم يعبدون الأصنام من دون الله على وجه التهجين لفعالهم ، والتقريع لهم (ما ذا تَعْبُدُونَ) أيّ شيء تعبدون (أَإِفْكاً آلِهَةً) الافك : هو أشنع الكذب وأفظعه ، وأصله قلب الشيء عن جهته التي هي له ، فلذلك كان الكذب افكا وإنما قال : آلهة على اعتقاد المشركين وتوهّمهم الفاسد في إلهية الأصنام لما اعتقدوا انها تستحق العبادة ، ثم أكدّ التقريع بقوله (دُونَ اللهِ تُرِيدُونَ) أي تريدون عبادة آلهة دون عبادة الرحمن (فَما ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ) أن يصنع بكم مع عبادتكم غيره (فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ فَقالَ إِنِّي سَقِيمٌ) انه عليهالسلام نظر في النجوم فاستدلّ بها على وقت حمى كانت تعتاده فقال : اني سقيم ، أراد انه قد حضر وقت علّته وزمان نوبتها (فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ) اخبار عن قومه انهم لما سمعوا قوله : (إِنِّي سَقِيمٌ) تركوه واعرضوا عنه ، وخرجوا إلى عيدهم (فَراغَ إِلى آلِهَتِهِمْ) معناه : فمال إلى أصنامهم التي كانوا يدعونها آلهة (فَقالَ أَلا تَأْكُلُونَ) خاطبها وإن كانت جمادا على وجه التهجين لعابديها ، وتنبيههم على ان من لا يتكلم ولا يقدر على الجواب كيف تصحّ عبادتها (ما لَكُمْ لا تَنْطِقُونَ) زيادة في تهجين عابديها كأنّهم حاضرون لها ، أي ما لكم لا تجيبون؟ وفي هذا تنبيه على انها جماد لا تأكل ولا تنطق فهي أخس الأشياء وأقلها (فَراغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِالْيَمِينِ) أي فمال على الأصنام يضربها ويكسرها باليد اليمنى لأنها أقوى على العمل (فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ) أي أقبلوا بعد الفراغ من عيدهم إلى إبراهيم يسرعون ، وفي هذا دليل انهم اخبروا بصنيع إبراهيم بأصنامهم فقصدوه مسرعين ، وحملوه إلى بيت أصنامهم وقالوا له : أأنت فعلت هذا بآلهتنا؟ فأجابهم على وجه الحجاج عليهم بأن (قالَ أَتَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ) فهو استفهام معناه الانكار والتوبيخ ، أي كيف يصح أن يعبد الإنسان ما يعمله بيده؟ فإنهم كانوا ينحتون الأصنام بأيديهم (وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ) معناه : وخلق أصل الحجارة التي تعملون منها الأصنام (قالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْياناً) قال ابن عباس بنوا حائطا من حجارة طوله في السماء ثلاثون ذراعا ، وعرضه عشرون ذراعا ، وملؤوه نارا وطرحوه فيها ، وذلك قوله (فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ) النار العظيمة (فَأَرادُوا بِهِ كَيْداً) أي حيلة وتدبيرا في اهلاكه وإحراقه بالنار (فَجَعَلْناهُمُ الْأَسْفَلِينَ) بأن أهلكناهم ونجّينا إبراهيم وسلمناه ، ورددنا كيدهم عنه (وَقالَ) إبراهيم (إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي) معناه : مهاجر إلى ربي ، أي أهجر ديار الكفار وأذهب إلى حيث أمرني الله تعالى بالذهاب إليه وهي الأرض المقدسة وقيل اني ذاهب إلى مرضاة ربي بعملي ونيتي عن قتادة (سَيَهْدِينِ) أي يهديني ربي فيما بعد إلى طريق المكان الذي أمرني بالمصير إليه. أو الى الجنة بطاعتي إياه (رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ) أي ولدا صالحا من الصالحين كما تقول : أكلت من الطعام فحذف لدلالة الكلام عليه.
١٠١ ـ ١١٣ ـ ثم أخبر سبحانه انه استجاب لإبراهيم دعاءه بقوله (فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ) أي بابن وقور ، والحليم : الذي لا يعجل في الأمر قبل وقته مع القدرة عليه. ثم أخبر سبحانه أن الغلام الذي بشّره به ولد له وترعرع بقوله (فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ) والمعنى : بلغ إلى ان يتصرف ويمشي معه ، ويعينه على أموره قالوا : وكان يومئذ ابن ثلاث عشرة سنة (قالَ يا بُنَيَ