الحيات ، فشبّه سبحانه طلع تلك الشجرة برؤوس تلك الحيات (فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْها) يعني ان أهل النار ليأكلون من ثمرة تلك الشجرة (فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ) أي يملأون بطونهم منها لشدة ما يلحقهم من ألم الجوع. وقد روي ان الله تعالى يجوعهم حتى ينسوا عذاب النار من شدة الجوع ، فيصرخون إلى مالك فيحملهم إلى تلك الشجرة فيأكلون منها فتغلي بطونهم كغلي الحميم ، فيستسقون فيسقون شربة من الماء الحار الذي بلغ نهايته في الحرارة ، فإذا قربوها من وجوههم شوت وجوههم فذلك قوله (يَشْوِي الْوُجُوهَ) ، فإذا وصل إلى بطونهم صهر ما في بطونهم كما قال سبحانه : (يُصْهَرُ بِهِ ما فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ) ، فذلك شرابهم وطعامهم فذلك قوله (ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْها) زيادة على شجرة الزقوم (لَشَوْباً مِنْ حَمِيمٍ) أي خليطا ومزاجا من ماء حار يمزج ذلك الطعام بهذا الشراب وقيل : إنهم يكرهون على ذلك عقوبة لهم (ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ) بعد أكل الزقوم ، وشراب الحميم (لَإِلَى الْجَحِيمِ) وذلك أنهم يوردون الحميم لشربه وهو خارج عن الجحيم كما تورد الإبل إلى الماء ، ثم يردّون إلى الجحيم ، ويدل على ذلك قوله : (يَطُوفُونَ بَيْنَها وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ) ، والجحيم : النار الموقدة والمعنى : ان الزقوم والحميم طعامهم وشرابهم ، والجحيم المسعرة منقلبهم ومأواهم (إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آباءَهُمْ ضالِّينَ) أي ان هؤلاء الكفار صادفوا آباءهم ذاهبين عن الحق والدين (فَهُمْ عَلى آثارِهِمْ يُهْرَعُونَ) في الضلال ، أي يقلّدونهم ويتبعونهم اتباعا في سرعة.
٧١ ـ ٨٢ ـ ثم أقسم سبحانه فقال (وَلَقَدْ) اللام التي تدخل في جواب القسم وقد للتأكيد (ضَلَّ قَبْلَهُمْ) أي قبل هؤلاء الكفار الذين هم في عصر النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم عن طريق الهدى واتباع الحق (أَكْثَرُ الْأَوَّلِينَ) من الأمم الخالية والأكثر : هو الأعظم في العدد والأول : هو الكائن قبل غيره ، وفي هذه الآية دلالة على ان أهل الحق في كل زمان كانوا أقل من أهل الباطل (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا فِيهِمْ مُنْذِرِينَ) من الأنبياء والمرسلين يخوّفونهم من عذاب الله تعالى ، ويحذّرونهم معاصيه (فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ) أي من المكذّبين المعاندين للحق والمعنى : فانظر يا محمد كيف أهلكتهم ، وماذا حلّ بهم من العذاب ، وكذلك يكون عاقبة المكذبين. ثم استثنى من المنذرين فقال (إِلَّا عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ) الذين قبلوا من الأنبياء ، وأخلصوا عبادتهم الله تعالى ، فإن الله خلّصهم من ذلك العذاب ، ووعدهم بجزيل الثواب (وَلَقَدْ نادانا نُوحٌ) أي دعانا نوح بعد ما يئس من إيمان قومه لننصره عليهم وذلك قوله : (أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ) (فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ) نحن لنوح في دعائه ، أجبناه إلى ما سأل ، وخلّصناه من أذى قومه بإهلاكهم (وَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ) أي من المكروه الذي كان ينزل به من قومه ، والكرب : كل غم يصل حرّه إلى الصدر وأهله : هم الذين نجوا معه (وَجَعَلْنا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْباقِينَ) بعد الغرق ، فالناس كلهم بعد نوح من ولد نوح (وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ) عليه ذكرا جميلا ، وأثنينا عليه في أمة محمد (ص) ومعنى تركنا : أبقينا (سَلامٌ عَلى نُوحٍ فِي الْعالَمِينَ) أي تركنا عليه أن يصلى عليه إلى يوم القيامة ، فكأنّه قال : وتركنا عليه التسليم في الآخرين (إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) أي جزيناه ذلك الثناء الحسن في العالمين بإحسانه وقيل : إن معناه : مثل ما فعلنا بنوح نجزي كل من أحسن بأفعال الطاعات ، وتجنب المعاصي ، ونكافيهم بإحسانهم (إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ) يعني نوحا ؛ وهذه الآية تتضمن مدح المؤمنين حيث خرج من بينهم مثل نوح (ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ) أي من لم يؤمن به ، والمعنى ثم أخبركم اني أغرقت الآخرين.