في البطن ولا في الرأس ، ويقال للوجع : غول لأنه يؤدّي إلى الهلاك (وَلا هُمْ عَنْها يُنْزَفُونَ) أي يسكرون ولا ينزفون : لا يفنى خمرهم. قال ابن عباس : معناه : ولا يبولون قال : وفي الخمر أربع خصال : السكر والصداع والقيء والبول ، فنزّه الله سبحانه خمر الجنة عن هذه الخصال (وَعِنْدَهُمْ قاصِراتُ الطَّرْفِ) قصرن طرفهن على أزواجهن فلا يردن غيرهنّ لحبّهنّ إياهم (عِينٌ) أي واسعات العيون ، والواحدة عيناء وقيل : هي الشديدة بياض العين ، الشديدة سوادها عن الحسن (كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ) شبّههن ببيض النعاء؟؟؟ مكنّة بالريش من الغبار والريح ، والمكنون : المصون. ثم قال (فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ) يعني أهل الجنة يسأل بعضهم بعضا عن أحوالهم من حين بعثوا الى أن أدخلوا الجنة. فيخبر كلّ صاحبه بانعام الله تعالى عليه.
٥١ ـ ٦٠ ـ هذا تمام الحكاية عن أحوال أهل الجنة ، وإقبال بعضهم على بعض في المسائلة عن الأخبار والأحوال (قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ) أي من أهل الجنة (إِنِّي كانَ لِي قَرِينٌ) في دار الدنيا ، أي صاحب يختص بي (يَقُولُ) لي على وجه الإنكار عليّ ، والتهجين لفعلي (أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ) بيوم الدين وبالبعث والنشور والحساب والجزاء ، والاستفهام هنا على وجه الإنكار (أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَدِينُونَ) أي مجزيّون محاسبون ، والمعنى : ان ذلك القرين كان يقول لي في الدنيا على طريق الاستبعاد والاستنكار : أنبعث بعد أن صرنا ترابا وعظاما بالية ونجازى على أعمالنا؟ أي ان هذا لا يكون أبدا (قالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ) أي ثم قال هذا المؤمن لاخوانه في الجنة : هل أنتم مطلعون على موضع من الجنة يرى منه هذا القرين يقال : طلع على كذا إذا أشرف عليه ، والمعنى : هل تؤثرون أن تروا مكان هذا القرين في النار (فَاطَّلَعَ فَرَآهُ) أي فاطلع هذا المؤمن فرأى قرينه (فِي سَواءِ الْجَحِيمِ) أي في وسط النار (قالَ) أي فقال له المؤمن (تَاللهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ) اقسم بالله سبحانه على وجه التعجب إنك كدت تهلكني بما قلته لي ودعوتني إليه حتى يكون هلاكي كهلاك المتردي من شاهق ومنه قوله : (وَما يُغْنِي عَنْهُ مالُهُ إِذا تَرَدَّى) ، أي تردّى في النار (وَلَوْ لا نِعْمَةُ رَبِّي) عليّ بالعصمة واللطف والهداية حتى آمنت (لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ) معك في النار ، ولا يستعمل احضر مطلقا إلّا في الشر (أَفَما نَحْنُ بِمَيِّتِينَ إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولى وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ) معناه : ان هذا المؤمن يقول لهذا القرين على وجه التوبيخ والتقريع : أليس كنت في الدنيا تقول : انا لا نموت إلّا الموتة التي تكون في الدنيا ولا نعذّب؟ فقد ظهر الأمر بخلاف ذلك وقيل ان هذا من قول أهل الجنة بعضهم لبعض على وجه اظهار السرور بدوام نعيم الجنة ولهذا عقّبه بقوله (إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) معناه : فما نحن بميتين في هذه الجنة إلا موتتنا التي كانت في الدنيا ، وما نحن بمعذّبين كما وعدنا الله تعالى.
٦١ ـ ٧٠ ـ (لِمِثْلِ هذا فَلْيَعْمَلِ الْعامِلُونَ) أي لمثل هذا الثواب والفوز والفلاح فليعمل العاملون في دار التكليف ، هذا ترغيب في طلب الثواب بالطاعة ، أي من كان يريد أن يعمل لنفع يرجوه فليعمل لمثل هذا النفع العظيم (أَذلِكَ خَيْرٌ نُزُلاً أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ) أي أذلك الذي ذكرناه من قرى أهل الجنة ، وما أعدّ لهم خير في باب الانزال التي يتقوت بها ويمكن معها الإقامة أم نزل أهل النار فيها؟ والزقوم شجرة في النار يقتاتها أهل النار ، لها ثمرة مرة خشنة اللمس ، منتنة الرائحة (إِنَّا جَعَلْناها فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ) وقيل : ان المراد بالفتنة العذاب ، أي جعلناها شدة عذاب لهم من قوله : (يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ) ، أي يعذبون (إِنَّها شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ) أي ان الزقوم شجرة تنبت في قعر جهنّم وأغصانها ترفع إلى دركاتها (طَلْعُها كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ) الشيطان : جنس من