والبركة ولذلك أقررنا لكم ، والعرب تتيمن بما جاء من اليمين عن الجبائي (قالُوا) في جواب ذلك ليس الأمر كما قلتم (بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) مصدّقين بالله (وَما كانَ لَنا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ) اي قدرة وقوة فنجبركم على الكفر ، فلا تسقطوا اللوم عن أنفسكم فإنه لازم لكم ، ولا حق بكم (بَلْ كُنْتُمْ قَوْماً طاغِينَ) أي خارجين عن الحق باغين ، تجاوزتم الحد إلى أفحش الظلم ، وأعظم المعاصي.
٣١ ـ ٤٠ ـ هذا تمام الحكاية عن الكفار الذين قالوا : (وَما كانَ لَنا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ) ثم قالوا (فَحَقَّ عَلَيْنا قَوْلُ رَبِّنا) أي وجب علينا قول ربّنا بأنا لا نؤمن ونموت على الكفر أو وجب علينا العذاب الذي نستحقه على الكفر والاغواء (إِنَّا لَذائِقُونَ) العذاب الذي نستحقه على الكفر ، أي ندركه كما ندرك المطعوم بالذوق ، ثم يعترفون بأنهم أغووهم بأن قالوا (فَأَغْوَيْناكُمْ) أي أضللناكم عن الحق ، ودعوناكم إلى الغي (إِنَّا كُنَّا غاوِينَ) أي داخلين في الضلالة والغي وقيل معناه فخيّبناكم إنا كنا خائبين (فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ) أي في ذلك اليوم (فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ) واشتراكهم اجتماعهم فيه بالمعنى : ان ذلك التخاصم لم ينفعهم إذا اجتمع الاتباع والمتبوعون كلهم في النار ، الاتباع بقبول الكفر ، والمتبوعون بالكفر والاغواء (إِنَّا كَذلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ) أي الذين جعلوا لله شركاء عن ابن عباس وقيل معناه : انا مثل ما فعلنا بهؤلاء نفعل بجميع المجرمين. ثم بيّن سبحانه انه إنما فعل ذلك بهم من أجل (إِنَّهُمْ كانُوا إِذا قِيلَ لَهُمْ لا إِلهَ إِلَّا اللهُ يَسْتَكْبِرُونَ) عن قبول ذلك (وَيَقُولُونَ أَإِنَّا لَتارِكُوا آلِهَتِنا لِشاعِرٍ مَجْنُونٍ) أي يأنفون من هذه المقالة ويستخفون بمن يدعوهم إليها ، ويقولون : لا ندع عبادة الأصنام لقول شاعر مجنون ، يعنون النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم يدعونا إلى خلافها وقيل لأجل شاعر عن أبي مسلم. فردّ الله هذا لقول عليهم وكذّبهم بأن قال (بَلْ جاءَ بِالْحَقِ) أي ليس بشاعر ولا مجنون لكنّه أتى بما تقبله العقول من الدين الحق والكتاب (وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ) أي حقق ما أتى به المرسلون من بشاراتهم والكتاب الحق بدين الإسلام وقيل صدّقهم بأن أتى بمثل ما أتوا به من الدعاء إلى التوحيد وقيل صدّقهم بالنبوة. ثم خاطب الكفار فقال (إِنَّكُمْ) أيّها المشركون (لَذائِقُوا الْعَذابِ الْأَلِيمِ) على كفركم ونسبتكم إياه إلى الشعر والجنون (وَما تُجْزَوْنَ إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) أي على قدر أعمالكم ، ثم استثنى من جملة المخاطبين المعذّبين فقال (إِلَّا عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ) الّذين اخلصوا العبادة لله وأطاعوه في كل ما أمرهم به فإنهم لا يذوقون العذاب ، وإنما ينالون الثواب.
٤١ ـ ٥٠ ـ ثم بيّن سبحانه ما أعدّه لعباده المخلصين من أنواع النعم فقال (أُولئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ) جعل لهم التصرف فيه ، وحكم لهم به في الأوقات المستأنفة في كل وقت شيئا معلوما مقدّرا. ثم فسرّ ذلك الرزق بأن قال (فَواكِهُ) وهي جمع فاكهة يقع على الرطب واليابس من الثمار كلها يتفكهون بها ، ويتنعّمون بالتصرف فيها (وَهُمْ مُكْرَمُونَ) مع ذلك ، أي معظمون مبجلون ، وضد الإكرام الإهانة (فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ) أي وهم مع ذلك في بساتين فيها أنواع النعيم يتنعّمون بها (عَلى سُرُرٍ) وهي جمع سرير (مُتَقابِلِينَ) يستمتع بعضهم بالنظر إلى وجوه بعض ، ولا يرى بعضهم قفا بعض (يُطافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ) وهو الإناء بما فيه من الشراب (مِنْ مَعِينٍ) أي من خمر جارية في أنهار ظاهرة العيون عن الحسن وقتادة والضحاك والسدي وقيل : شديد الجري ؛ ثم وصف الخمر فقال (بَيْضاءَ) وصفها بالبياض لأنها في نهاية الرقة مع الصفاء واللطافة النورية التي لها ، قال الحسن : خمر الجنة أشدّ بياضا من اللبن (لَذَّةٍ) أي لذيذة (لِلشَّارِبِينَ) ليس فيها ما يعتري خمر الدنيا من المرارة والكراهة (لا فِيها غَوْلٌ) أي لا تغتال عقولهم فتذهب بها ، ولا تصيبهم من وجع