من الملائكة والسموات والأرض (إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِنْ طِينٍ لازِبٍ) معناه : انهم ان قالوا نحن أشد فاعلمهم ان الله خلقهم من طين فكيف صاروا أشد قوة منهم ، والمراد ان آدم خلقه الله من طين وان هؤلاء نسله وذريته فكأنهم منه. قال إبن عباس : اللازب الملتصق من الطين الحر الجيد (بَلْ عَجِبْتَ) يا محمد من تكذيبهم إياك (وَيَسْخَرُونَ) أي يهزأون بدعائك إياهم إلى الله ، والنظر في دلائله وآياته (وَإِذا ذُكِّرُوا لا يَذْكُرُونَ) أي وإذا خوفّوا بالله ووعظوا بالقرآن لا ينتفعون بذلك ولا يتعظون به (وَإِذا رَأَوْا آيَةً) من آيات الله ومعجزة مثل انشقاق القمر وغيرها (يَسْتَسْخِرُونَ) أي يستهزؤون ويقولون : هذا عمل السحر ، وسخر واستسخر بمعنى واحد ، وقيل معناه : يستدعي بعضهم بعضا الى إظهار السخرية ، وقيل معناه : يعتقدونه سخرية ، كما تقول : استقبحه ، أي اعتقده قبيحا ، واستحسنه ، أي اعتقده حسنا (وَقالُوا إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ) أي وقالوا لتلك الآية ما هذا إلّا سحر ظاهر وتمويه (أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ) بعد ذلك ومحشورون ، أي كيف نبعث بعد ما صرنا ترابا! (أَوَآباؤُنَا الْأَوَّلُونَ) الذين تقدّمونا بهذه الصفة ، أي أو يبعث آباؤنا بعد ما صاروا ترابا؟ يعنون ان هذا لا يكون. ثم قال سبحانه لنبيّه صلىاللهعليهوآلهوسلم (قُلْ) لهم (نَعَمْ) تبعثون (وَأَنْتُمْ داخِرُونَ) صاغرون اشد الصغار. ثم ذكر ان بعثهم يقع بزجرة واحدة فقال (فَإِنَّما هِيَ) أي فإنما قصة البعث (زَجْرَةٌ واحِدَةٌ) أي صيحة واحدة من اسرافيل ، يعني نفخة البعث ، والزجرة : الصرفة عن الشيء بالمخافة ، فكأنّهم زجروا عن الحال التي هم فيها إلى الحشر (فَإِذا هُمْ يَنْظُرُونَ) معناه : فإذا هم احياء ينتظرون ما ينزل بهم من عذاب الله (وَقالُوا) أي ويقولون معترفين على نفوسهم بالعصيان (يا وَيْلَنا) من العذاب وهي كلمة يقولها القائل عند الوقوع في الهلكة ومثله : يا حسرتنا ، ينادون مثل هذه الأشياء على وجه التنبيه على عظم الحال (هذا يَوْمُ الدِّينِ) أي يوم الحساب ، والمراد انهم اعترفوا بالحق خاضعين نادمين.
٢١ ـ ٣٠ ـ ثم اخبر سبحانه عن حالهم أيضا فقال (هذا يَوْمُ الْفَصْلِ) بين الخلائق والحكم ، وتمييز الحق من الباطل على وجه يظهر لجميعهم الحال فيه ، وذلك بأن يدخل المطيع الجنة على وجه الإكرام ، ويدخل العاصي النار على وجه الإهانة (الَّذِي كُنْتُمْ) يا معشر الكفار (بِهِ تُكَذِّبُونَ) وهذا كلام بعضهم لبعض ، ثم حكى سبحانه ما يقوله للملائكة بأن قال (احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا) أنفسهم بارتكاب المعاصي ، أي اجمعوهم من كل جهة (وَأَزْواجَهُمْ) أي وأزواجهم المشركات (وَما كانُوا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ فَاهْدُوهُمْ إِلى صِراطِ الْجَحِيمِ) إنّما عبّر عن ذلك بالهداية من حيث كان بدلا من الهداية إلى الجنة كقوله : فبشّرهم بعذاب أليم ، من حيث ان هذه البشارة وقعت لهم بدلا من البشارة بالنعيم (وَقِفُوهُمْ) أي قفوا هؤلاء الكفار واحبسوهم عن دخول النار (إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ) عن أعمالهم وخطاياهم (ما لَكُمْ لا تَناصَرُونَ) أي لا تتناصرون ، وهذا على وجه التوبيخ والتبكيت ، أي ما لكم لا ينصر بعضكم بعضا في دفع العذاب؟ والتقدير : ما لكم غير متناصرين. ثم بيّن سبحانه انهم لا يقدرون على التناصر فقال (بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ) أي منقادون خاضعون ، ومعنى الإستسلام : أن يلقي بيده غير منازع فيما يراد منه (وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ) هذا اخبار منه سبحانه ان كل واحد منهم يقبل على صاحبه الذي أغواه فيقول له على وجه التأنيب والتعنيف : لم غرّرتني؟ ويقول ذلك له : لم قبلت منّي؟ (قالُوا إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنا عَنِ الْيَمِينِ) أي يقول الكفار لغواتهم : انكم كنتم تأتوننا من جهة النصيحة واليمن