وفطامه من الرضاع في انقضاء عامين ، والمراد انها بعد ما تلده ترضعه عامين وتربيه ، فتلحقها المشقة بذلك أيضا (أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ) هذا تفسير قوله : (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ) ، أي وصيناه بشكرنا وشكر والديه ، فشكر الله سبحانه بالحمد والطاعة ، وشكر الوالدين بالبر والصلة (إِلَيَّ الْمَصِيرُ) أي إليّ مرجعكم فأجازيكم على حسب أعمالكم (وَإِنْ جاهَداكَ) أيها الإنسان ، أي جاهداك والداك (عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي) معبودا آخر فلا تطعهما وهو قوله : (ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) لأن ما يكون حقا تعلم صحته ، فما لا تعلم صحته فهو باطل ، فكأنه قال : فإن دعواك إلى باطل (فَلا تُطِعْهُما) في ذلك (وَصاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً) أي وأحسن إليهما ، وأرفق بهما في الأمور الدنيوية وإن وجبت مخالفتهما في أبواب الدين لمكان كفرهما (وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنابَ إِلَيَ) أي واسلك طريقة من رجع إلى طاعتي ، وأقبل إليّ بقلبه ، وهو النّبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم والمؤمنون (ثُمَّ إِلَيَ) أي إلى حكمي (مَرْجِعُكُمْ) ومنقلبكم (فَأُنَبِّئُكُمْ) أي أخبركم (بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) في دار الدنيا من الأعمال ، وأجازيكم عليها بحسبها.
١٦ ـ ٢٠ ـ ثم عاد سبحانه إلى الإخبار عن لقمان ووصيته لابنه وأنه قال له : (يا بُنَيَّ إِنَّها إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ) معناه : ان فعلة الإنسان من خير أو شر إن كانت مقدار حبة خردل في الوزن (فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ) أي فتكن تلك الحبة في جبل ، والمعنى : في صخرة عظيمة ، لأن الحبة فيها أخفى وأبعد من الإستخراج (أَوْ فِي السَّماواتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللهُ) أي يحضرها الله يوم القيامة ويجازي عليها ، أي يأت بجزاء ما وازنها من خير أو شرّ ، وقيل معناه : يعلمها الله فيأتي بها فهو مثل قوله : (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ. وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ). وروى العياشي بالإسناد عن ابن مسكان عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : اتقوا المحقرات من الذنوب فإن لها طالبا ، لا يقولن أحدكم أذنب واستغفر الله ، إن الله تعالى يقول : (إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ) الآية (إِنَّ اللهَ لَطِيفٌ) باستخراجها (خَبِيرٌ) بمستقرها عن قتادة وقيل : اللطيف : العالم بالأمور الخفية ، والخبير العالم بالأشياء كلها (يا بُنَيَ) إنما صغّر اسمه في هذه المواضيع للرقة والشفقة لا للتحقير (أَقِمِ الصَّلاةَ) أي أدّ الصلاة المفروضة في ميقاتها بشروطها (وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ) وهو الطاعة (وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ) وهو كل معصية وقبيح سواء كان من القبائح العقلية أو الشرعية ، فإن المعروف ما يدعو إليه العقل والشرع ، والمنكر ما يزجر عنه العقل والشرع (وَاصْبِرْ عَلى ما أَصابَكَ) من المشقة والأذى في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عن عليّ عليهالسلام (إِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) معناه : ان ذلك من الأمور التي يجب الثبات والدوام عليها (وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ) أي ولا تمل وجهك من الناس تكبّرا ، ولا تعرض عمن يكلّمك استخفافا به (وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً) أي بطرا وخيلاء (إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ) أي كل متكبر فخور على الناس (وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ) أي كل متكبر فخور على الناس (وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ) أي اجعل في مشيك قصدا مستويا على وجه السكون والوقار كقوله : (الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً) (وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ) أي انقص من صوتك إذا دعوت وناجيت ربّك (إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ) أي أقبح الأصوات صوت الحمير ، أوله زفير ، وآخره شهيق. أمر لقمان ابنه بالإقتصاد في المشي والنطق. ثم ذكر سبحانه نعمه على خلقه ، ونبّههم على معرفتها فقال (أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللهَ سَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ) من الشمس والقمر والنجوم (وَما فِي الْأَرْضِ) من الحيوان والنبات وغير ذلك مما تنتفعون به ، وتتصرفون فيه بحسب ما تريدون (وَأَسْبَغَ