عَلَيْكُمْ) أي أوسع عليكم ، وأتمّ (نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَباطِنَةً) فالظاهرة : ما لا يمكنكم جحده من خلقكم وإحيائكم وإقداركم ، وخلق الشهوة فيكم وغيرها من ضروب النعم ، والباطنة : ما لا يعرفها إلّا من أمعن النظر فيها وقيل : الباطنة مصالح الدين والدنيا مما يعلمه الله وغاب عن العباد علمه ؛ عن ابن عباس وفي رواية الضحاك عنه قال سألت النّبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : يا ابن عباس أما ما ظهر فالإسلام ، وما سوى الله من خلقك ، وما أفاض عليك من الرزق ، وأما ما بطن فستر مساوىء عملك ولم يفضحك به ، يا ابن عباس ان الله تعالى يقول : ثلاثة جعلتهن للمؤمن ولم تكن له : صلاة المؤمنين عليه من بعد انقطاع عمله ، وجعلت له ثلث ماله أكفّر به عنه خطاياه ، والثالث سترت مساوىء عمله ولم أفضحه بشيء منه ، ولو أبديتها عليه لنبذه أهله فمن سواهم ، وقيل : الظاهرة : تخفيف الشرائع ، والباطنة : الشفاعة ، عن عطا ، وقيل الظاهرة : نعم الدنيا ، والباطنة : نعم الآخرة ، وقيل : الظاهرة : ظهور الإسلام والنصر على الأعداء ، والباطنة : الامداد بالملائكة (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ) أي يخاصم (فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ) بما يقوله (وَلا هُدىً) أي ولا دلالة وحجة (وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ) أي ولا كتاب من عند الله ظاهر واضح ، وقد مضى هذا مفسّرا في سورة الحج.
٢١ ـ ٢٥ ـ لما أخبر سبحانه عمن جادل في الله بغير علم ولم يذكر النعمة ، زاد عقيبه في ذمّهم فقال : (وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا ما أَنْزَلَ اللهُ) على محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم من القرآن وشرائع الإسلام (قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ ما وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا) ذمّهم على التقليد ، ثم قال منكرا عليهم (أَوَلَوْ كانَ الشَّيْطانُ يَدْعُوهُمْ) إلى تقليد آبائهم ، واتباع ما يدعوهم (أَوَلَوْ كانَ الشَّيْطانُ يَدْعُوهُمْ) إلى تقليد آبائهم ، واتباع ما يدعوهم (إِلى عَذابِ السَّعِيرِ) والمعنى : ان الشيطان يدعوهم إلى تقليد آبائهم ، وترك اتباع ما جاءت به الرسل وذلك موجب لهم عذاب النار ، فهو في الحقيقة يدعوهم إلى النار ثم قال : (وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللهِ) أي ومن يخلص دينه لله ، ويقصد في أفعاله التقرب إليه (وَهُوَ مُحْسِنٌ) فيها فيفعلها على موجب العلم ، ومقتضى الشرع وقيل : ان اسلام الوجه إلى الله تعالى هو الإنقياد لله تعالى في أوامره ونواهيه وذلك يتضمن العلم والعمل (فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى) أي فقد تعلق بالعروة الوثيقة التي لا يخشى انفصامها والوثقى تأنيث الأوثق (وَإِلَى اللهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ) أي وعند الله ثواب ما صنع عن مجاهد والمعنى : وإلى الله ترجع أواخر الأمور على وجه لا يكون لأحد التصرف فيها بالأمر والنهي (وَمَنْ كَفَرَ) من هؤلاء الناس (فَلا يَحْزُنْكَ) يا محمد (كُفْرُهُ) أي لا يغمّك ذلك (إِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ فَنُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا) أي نخبرهم بأعمالهم ، ونجازيهم بسوء أفعالهم (إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) أي بما تضمره الصدور لا يخفى عليه شيء منه (نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلاً) أي نعطيهم من متاع الدنيا ونعيمها ما يتمتعون به مدة قليلة (ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ) في الآخرة (إِلى عَذابٍ غَلِيظٍ) أي ثم نصيرهم مكرهين إلى عذاب يغلظ عليهم ويصعب (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَ) في جواب ذلك (اللهُ) خلقهما (قُلِ) يا محمد أو أيها السامع (الْحَمْدُ لِلَّهِ) على هدايته لنا ، وتوفيقه إيانا لمعرفته وقيل معناه اشكر الله على دين يقرّ لك خصمك بصحته لوضوح دلالته. (بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ) ما عليهم من الحجّة.
٢٦ ـ ٣٠ ـ ثم أكّد سبحانه ما تقدّم من خلقه السماوات والأرض بقوله : (لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي له جميع ذلك خلقا وملكا يتصرف فيه كما يريده ، ليس لأحد الإعتراض عليه في ذلك (إِنَّ اللهَ هُوَ الْغَنِيُ) عن حمد الحامدين وعن كل