(وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ) أي فمنعهم عن طريق الحق (وَكانُوا مُسْتَبْصِرِينَ) أي وكانوا عقلاء يمكنهم التمييز بين الحق والباطل بالإستدلال والنظر ولكنّهم اغفلوا ولم يتدبّروا وقيل معناه : انهم كانوا مستبصرين عند أنفسهم فيما كانوا عليه من الضلالة ، يحسبون أنهم على هدى ، عن قتادة (وَقارُونَ) أي وأهلكنا قارون (وَفِرْعَوْنَ وَهامانَ وَلَقَدْ جاءَهُمْ مُوسى بِالْبَيِّناتِ) أي بالحجج الواضحات : من قلب العصا حية ، واليد البيضاء ، وفلق البحر وغيرها (فَاسْتَكْبَرُوا) أي طلبوا التجبر (فِي الْأَرْضِ) ولم ينقادوا للحق (وَما كانُوا سابِقِينَ) أي فائتين الله كما يفوت السابق (فَكُلًّا أَخَذْنا بِذَنْبِهِ) أي فائتين الله كما يفوت السابق (فَكُلًّا أَخَذْنا بِذَنْبِهِ) أي فأخذنا كلّا من هؤلاء بذنبه ، وعاقبناهم بتكذيبهم الرسل (فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِ حاصِباً) أي حجارة ، وقيل : ريحا فيها حصى ، وهم قوم لوط ، عن ابن عباس وقتادة ، وقيل : هم عاد (وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ) وهم ثمود وقوم شعيب ، عن ابن عباس وقتادة. والصيحة : العذاب ، وقيل : صاح بهم جبرائيل فهلكوا (وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنا بِهِ الْأَرْضَ) وهو قارون (وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنا) يعني قوم نوح وفرعون وقومه (وَما كانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ) فيعذّبهم على غير ذنب (وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) بكفرهم وتكذيبهم الرسل. وفي هذا دلالة واضحة على فساد مذهب أهل الجبر فإن الظلم لو كان من فعل الله كما يزعمون لما كان هؤلاء هم الظالمين لنفوسهم ، بل كان الظالم لهم من فعل فيهم الظلم ، تعالى الله عن ذلك.
٤١ ـ ٤٥ ـ ثم شبّه سبحانه حال الكفار الذين اتخذوا من دونه آلهة بحال العنكبوت فقال : (مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ أَوْلِياءَ) أي شبه من اتخذ الأصنام آلهة يريدون نصرها ونفعها وضرها والرجوع إليها عند الحاجة (كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً) لنفسها لتأوي إليه ، فكما أن بيت العنكبوت لا يغني عنها شيئا لكونه في غاية الوهن والضعف ولا يجدي نفعا ، كذلك الأصنام لا تملك لهم خيرا وشرا ونفعا وضرا والولي : هو المتولي للنصرة وهو أبلغ من الناصر ، لأن الناصر قد يكون ناصرا بأن يأمر غيره بالنصرة ، والولي هو الذي يتولى النصرة بنفسه (وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ) أي أضعفها (لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ) صحة ما أخبرناهم به ويتحققون ولو متعلقة بقوله اتخذوا ، أي لو علموا أن اتخاذهم الأولياء كاتخاذ العنكبوت بيتا سخيفا لم يتخذوهم أولياء ، ولا يجوز أن تكون متعلقة بقوله : (وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ) لأنهم كانوا يعلمون أن بيت العنكبوت واه ضعيف (إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ) هذا وعيد منه سبحانه ومعناه : أنه يعلم ما يعبد هؤلاء الكفار ، وما يتخذونه من دونه أربابا (وَهُوَ الْعَزِيزُ) الذي لا يغالب فيما يريده (الْحَكِيمُ) في جميع أفعاله (وَتِلْكَ الْأَمْثالُ) وهي الأشباه والنظائر ، يعني أمثال القرآن (نَضْرِبُها لِلنَّاسِ) أي نذكرها لهم لندعوهم إلى المعرفة والتوحيد ، ونعرفهم قبح ما هم فيه من عبادة الأصنام (وَما يَعْقِلُها إِلَّا الْعالِمُونَ) أي وما يفهمها إلا من يعلم وجه الشبه بين المثل والممثل به وقيل معناه : وما يعقل الأمثال إلّا العلماء الذين يعقلون عن الله. وروى الواحدي بالإسناد عن جابر قال : تلا النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم هذه الآية وقال : العالم الذي عقل عن الله فعمل بطاعته ، واجتنب سخطه. ثم
__________________
عن الزهري قال : قلت لعلي بن الحسين عليهماالسلام : أي الأعمال أفضل؟ قال الحال المرتحل قلت : ما الحال المرتحل؟ قال : فتح القرآن وختمه ، كلّما جاء بأوله ارتحل في آخره ، وقال : قال رسول الله (ص): من أعطاه الله القرآن. فرأى ان رجلا أعطي أفضل مما أعطي فقد صغّر عظيما ، وعظّم صغيرا. أصول الكافي ٢ / ٥٧٩.