وارتكبوا القبائح ، وأفسدوا في الأرض.
٣١ ـ ٣٥ ـ ثم بيّن سبحانه أنه استجاب دعاء لوط ، وبعث جبرائيل ومعه الملائكة لتعذيب قومه بقوله : (وَلَمَّا جاءَتْ رُسُلُنا إِبْراهِيمَ بِالْبُشْرى) أي يبشرونه بإسحاق ، ومن وراء إسحاق يعقوب (قالُوا إِنَّا مُهْلِكُوا أَهْلِ هذِهِ الْقَرْيَةِ) يعنون قرية قوم لوط عليهالسلام وإنما قالوا هذا لأن قريتهم كانت قريبة من قرية قوم إبراهيم (إِنَّ أَهْلَها كانُوا ظالِمِينَ) أي مشركين مرتكبين الفواحش (قالَ) إبراهيم (إِنَّ فِيها لُوطاً) فكيف تهلكونها (قالُوا) في جوابه (نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيها لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ) أي لنخلصنّ لوطا من العذاب بإخراجه منها ، ولنخلصن أيضا أهله المؤمنين منهم (إِلَّا امْرَأَتَهُ) فإنّها تبقى في العذاب لا تنجو منه وذلك قوله (كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ) أي من الباقين في العذاب (وَلَمَّا أَنْ جاءَتْ رُسُلُنا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ) معناه : سيء لوط بالملائكة ، أي ساءه مجيئهم لما رآهم في أحسن صورة لما كان يعلمه من خبث فعل قومه عن قتادة وقيل معناه سيء بقومه لما علم من عظيم البلاء النازل بهم (وَضاقَ بِهِمْ ذَرْعاً) أي ضاق قلبه وقيل : ضاقت حيلته فيما أراد من حفظهم وصيانتهم عن الجبائي ؛ فلما رأى الملائكة حزنه وضيق صدره (وَقالُوا لا تَخَفْ) علينا وعليك (وَلا تَحْزَنْ) بما نفعله بقومك وقيل لا تخف ولا تحزن علينا فإنا رسل الله لا يقدرون علينا (إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ) من العذاب (إِلَّا امْرَأَتَكَ) الكافرة (كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ) أي الباقين في العذاب (إِنَّا مُنْزِلُونَ عَلى أَهْلِ هذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزاً مِنَ السَّماءِ) أي عذابا من السماء (بِما كانُوا يَفْسُقُونَ) أي يخرجون من طاعة الله إلى معصيته ، أي جزاء بفسقهم (لَقَدْ تَرَكْنا مِنْها آيَةً بَيِّنَةً) أي تركنا من تلك القرية عبرة واضحة ، ودلالة على قدرتنا قال قتادة : هي الحجارة التي أمطرت عليهم وقال ابن عباس : هي آثار منازلهم الخربة وقال مجاهد هي الماء الأسود على وجه الأرض (لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) ذلك ويبصرونه ويتفكرون فيه ويتّعظون به ، فيزجرهم ذلك عن الكفر بالله ، واتخاذ شريك معه في العبادة
٣٦ ـ ٤٠ ـ ثم عطف سبحانه على ما تقدّم فقال : (وَإِلى مَدْيَنَ) أي وأرسلنا إلى مدين (أَخاهُمْ شُعَيْباً) وهذا مفسر فيما مضى (فَقالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ) بدأ بالدعاء إلى التوحيد والعبادة (وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآخِرَ) أي وأمّلوا ثواب اليوم الآخر ، واخشوا عقابه بفعل الطاعات ، وتجنّب السيئات (وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ) أي لا تسعوا في الأرض بالفساد. ثم أخبر ان قومه كذّبوه ولم يقبلوا منه. فعاقبهم الله وذلك قوله : (فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ) وقد مرّ بيانه (فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ) أي باركين على ركبهم ميتين (وَعاداً وَثَمُودَ) أي وأهلكنا أيضا عادا وثمود جزاء لهم على كفرهم (وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ) معاشر الناس كثير (مِنْ مَساكِنِهِمْ) معناه : وقد ظهر لكم يا أهل مكة من منازلهم بالحجر واليمن آية في هلاكهم
__________________
قال الإمام علي بن موسى الرضا عليهالسلام : هو حبل الله المتين ، وعروته الوثقى ، وطريقته المثلى ، المؤدّي إلى الجنّة ، والمنجي من النار ، لا يخلق (خلق ـ الثوب ـ : بلى) من الأزمنة ، ولا يغث (غثّ ـ حديث القوم ـ ردؤ وفسد) على الألسنة ، لأنه لم يجعل لزمان دون زمان ، بل جعل دليل البرهان ، والحجّة على كل إنسان (لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) (النحل : ١٨). بحار الأنوار : ٩٢ / ١٤.
١ ـ خلق ـ النوب ـ بلى.
٢ ـ غث ـ حديث القوم ـ رمو وقد.
٣ ـ النحل : ١٨.