قدرته (وَقالَ) إبراهيم لقومه (إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ أَوْثاناً مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ) أي لتتوادوا بها (فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) وقد تقدّم بيانه في الحجة (ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ) أي يتبرأ القادة من الأتباع (وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً) أي ويلعن الأتباع القادة لأنهم زيّنوا لهم الكفر وقال قتادة كل خلة تنقلب يوم القيامة عداوة إلا خلة المتقين قال سبحانه : (الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ) (وَمَأْواكُمُ النَّارُ) أي ومستقركم النار (وَما لَكُمْ مِنْ ناصِرِينَ) يدفعون عنكم عذاب الله.
٢٦ ـ ٣٠ ـ ثم عطف سبحانه على ما تقدّم بأن قال (فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ) أي فصدّق بإبراهيم لوط وهو ابن أخته ، وهو أول من صدق بإبراهيم عليهالسلام (وَقالَ) إبراهيم (إِنِّي مُهاجِرٌ إِلى رَبِّي) أي خارج من جملة الظالمين على جهة الهجر لهم لقبيح أعمالهم من حيث أمرني ربي وقيل معناه : قال لوط اني مهاجر إلى ربي عن الجبائي. خرج إبراهيم عليه السلام ومعه لوط وامرأته سارة وكانت ابنة عمه من كوثى وهي قرية من سواد الكوفة إلى أرض الشام عن قتادة ومثل هذا هجرة المسلمين من مكة إلى أرض الشام عن قتادة ومثل هذا هجرة المسلمين من مكة إلى أرض الحبشة أولا ثم إلى المدينة ثانيا لأنهم هجروا ديارهم وأوطانهم بسبب أذى المشركين لهم (إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ) الذي لا يذلّ من نصره (الْحَكِيمُ) الذي لا يضيع من حفظه (وَوَهَبْنا لَهُ) أي لإبراهيم من بعد إسماعيل (إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ) من وراء إسحاق (وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتابَ) وذلك ان الله سبحانه لم يبعث نبيا من بعد إبراهيم إلا من صلبه ، فالتوراة والإنجيل والزبور والفرقان كلها أنزلت على أولاده (وَآتَيْناهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيا) وهو الذكر الحسن ، والولد الصالح. عن ابن عباس ، وقيل : هو رضى أهل الأديان به ، فكلهم يحبونه ويتولونه ، عن قتادة ، وقيل : انه أري مكانه في الجنة ، عن السدي ، وقال بعض المتأخرين : هو بقاء ضيافته عند قبره ، وليس ذلك لغيره من الأنبياء (وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ) يعني ان إبراهيم مع ما أعطي من الأجر والثواب في الدنيا يحشره الله في جملة الصالحين العظيمي الأقدار مثل آدم ونوح (وَلُوطاً إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ) أي واذكر لوطا حين قال لقومه (إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ) قال ذلك لقومه منكرا لفعلهم. والفاحشة هاهنا ما كانوا يفعدونه من إتيان الذكران (ما سَبَقَكُمْ بِها) أي بهذه الفاحشة (مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعالَمِينَ) أي أحد من الخلائق. ثم فسّر الفاحشة بقوله (أَإِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ) أي تنكحونهم (وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ) قيل فيه وجوه (أحدها) تقطعون سبيل الولد باختياركم الرجال على النساء (وثانيها) انكم تقطعون الناس عن الأسفار بإتيان هذه الفاحشة ، فإنهم كانوا يفعلون هذا الفعل بالمجتازين من ديارهم وكانوا يرمون ابن السبيل بالحجارة بالحذف فأيهم أصابه كان أولى به ويأخذون ماله وينكحونه ويغرمونه ثلاثة دراهم وكان لهم قاض يقضي بذلك (وثالثها) انهم كانوا يقطعون الطريق على الناس كما يفعل قطاع الطريق في زماننا (وَتَأْتُونَ فِي نادِيكُمُ الْمُنْكَرَ) قيل فيه أيضا وجوه (أحدها) هو أنهم كانوا يتضارطون في مجالسهم من غير حشمة ولا حياء عن ابن عباس وروي ذلك عن الرضا عليهالسلام (وثانيها) أنهم كانوا يأتون الرجال في مجالسهم يرى بعضهم بعضا عن مجاهد (وثالثها) وكانت مجالسهم تشتمل على أنواع من المناكير والقبائح مثل : الشتم والسخف والصفع والقمار وضرب المخراق ، وحذف الأحجار على من مرّ بهم ، وضرب المعازف والمزامير ، وكشف العورات واللواط. ولما أنكر لوط على قومه ما كانوا يأتونه من الفضائع قالوا له استهزاء : (ائْتِنا بِعَذابِ اللهِ) وذلك قوله : (فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قالُوا ائْتِنا بِعَذابِ اللهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) وعند ذلك (قالَ) لوط (رَبِّ انْصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ) الذين فعلوا المعاصي ،