سواه (وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ) على ما أنعم به عليكم من أصول النعم من الحياة والرزق وغيرهما (إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) أي إلى حكمه تصيرون يوم القيامة فيجازيكم على قدر أعمالكم. ثم خاطب العرب فقال : (وَإِنْ تُكَذِّبُوا) أي وان تكذبوا محمدا صلىاللهعليهوآلهوسلم (فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ) أنبياءهم الذين بعثوا إليهم (وَما عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ) أي ليس عليه إلا التبليغ الظاهر البيّن ، وليس عليه حمل من أرسل إليه على الإيمان (أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ) يعني كفار مكة الذين أنكروا البعث ، وأقرّوا بأن الله هو الخالق فقال : أو لم يتفكروا فيعلموا كيف بدأ الله الخلق بعد العدم ، ثم يعيدهم ثانيا إذا أعدمهم بعد وجودهم (إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ) غير متعذر ، لأن من قدر على الإنشاء والإبتداء فهو على الإعادة أقدر (قُلْ) لهؤلاء الكفار (سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ) وتفكروا في آثار من كان فيها قبلكم ، وإلى أيّ شيء صار أمرهم لتعتبروا بذلك ، ويؤدّيكم ذلك إلى العلم بربكم (ثُمَّ اللهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ) أي ثم الله الذي خلقها وأنشأ خلقها ابتداء ينشئها نشأة ثانية ، ومعنى الإنشاء : الإيجاد من غير سبب (إِنَّ اللهَ) تعالى (عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) أي ان الله على الإنشاء والإفناء والإعادة وعلى كل شيء يشاؤه قدير.
٢١ ـ ٢٥ ـ ثم ذكر سبحانه الوعد والوعيد فقال (يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ) معناه : أنه المالك للثواب والعقاب وإن كان لا يشاء إلّا الحكمة والعدل وما هو الأحسن من الأفعال ، فيعذب من يشاء ممن يستحق العقاب (وَيَرْحَمُ مَنْ يَشاءُ) ممن هو مستحق للرحمة بأن يغفر له بالتوبة وغير التوبة (وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ) معاشر الخلق ، أي إليه ترجعون يوم القيامة ، والقلب هو الرجوع والردّ فمعناه : أنكم تردّون إلى حال الحياة في الآخرة حيث لا يملك فيه النفع والضر إلّا الله وهذا يتعلق بما قبله ، كأن المنكرين للبعث قالوا : إذا كان العذاب غير كائن في الدنيا فلا نبالي به فقال : وإليه تقلبون ، وكأنهم قالوا : إذا صرفنا إلى حكم الله فررنا فقال (وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ) أي ولستم بفائتين عن الله في الدنيا ولا في الآخرة فاحذروا مخالفته ومتى قيل : كيف وصفهم بذلك وليسوا من أهل السماء فالجواب عنه من وجهين (أحدهما) أن المعنى لستم بمعجزين فرارا في الأرض ولا في السماء لو كنتم في السماء؟ كقولك ما يفوتني فلان هاهنا ولا بالبصرة يعني ولا بالبصرة لو صار إليها عن قطرب وهو معنى قول مقاتل (والآخر) أن المعنى ولا من في السماء بمعجزين فحذف من لدلالة الكلام عليه كما قال حسّان :
امن يهجو رسول الله منكم |
|
ويمدحه وينصره سواء |
(وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ) ينصركم ويدفع عذاب الله عنكم فلا تغتروا بأن الأصنام تشفع لكم (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللهِ) أي جحدوا بالقرآن وبأدلة الله (وَلِقائِهِ) أي وجحدوا بالبعث بعد الموت (أُولئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي) أخبر أنه سبحانه آيسهم من رحمته وجنته ، أو يكون معناه : يجب أن ييأسوا من رحمتي (وَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) أي مؤلم وفي هذا دلالة على أن المؤمن بالله واليوم الآخر لا ييأس من رحمة الله. ثم عاد سبحانه إلى قصة إبراهيم فقال : (فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ) يعني حين دعاهم إلى الله تعالى ، ونهاهم عن عبادة الأصنام (إِلَّا أَنْ قالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ) وفي هذا تسفيه لهم إذ قالوا حين انقطعت حجّتهم : لا تحاجّوه ولكن اقتلوه أو حرّقوه ليتخلّصوا منه (فَأَنْجاهُ اللهُ مِنَ النَّارِ) وهاهنا حذف وتقديره : ثم اتفقوا على إحراقه فأجّجوا نارا فألقوه فيها ، فأنجاه الله منها (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ) أي علامات واضحات ، وحجج بيّنات (لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) بصحة ما أخبرناه به ، وبتوحيد الله وكمال