ما اللّيث كذّب عن أقرانه صدقا» (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ أَنْ يَسْبِقُونا) المعنى : أحسب الذين يفعلون الكفر والقبائح أن يفوتونا فوت السابق لغيره ، ويعجزونا فلا نقدر على أخذهم والإنتقام منهم (ساءَ ما يَحْكُمُونَ) أي بئس الشيء الذين يحكمون ظنّهم أنهم يفوتوننا. وروى العياشي بالاسناد عن أبي الحسن عليهالسلام قال : جاء العباس الى أمير المؤمنين عليهالسلام فقال له : امش حتى يبايع لك الناس ، فقال : أتراهم فاعلين ، قال : نعم ، فأين قول الله (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا) (مَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ اللهِ) أي يخاف الجزاء والحساب ، أو يأمل الثواب فليبادر بالطاعة قبل أن يلحقه الأجل (فَإِنَّ أَجَلَ اللهِ لَآتٍ) أي الوقت الذي وقّته الله للثواب والعقاب جاء لا محالة (وَهُوَ السَّمِيعُ) لأقوالكم (الْعَلِيمُ) بما في ضمائركم.
٦ ـ ١٠ ـ لما رغّب سبحانه في تحقيق الرجاء والخوف بفعل الطاعة عقّبه بالترغيب في المجاهدة فقال : (وَمَنْ جاهَدَ فَإِنَّما يُجاهِدُ لِنَفْسِهِ) أي ومن جاهد الشيطان بدفع وسوسته وإغوائه ، وجاهد أعداء الدين لإحيائه ، وجاهد نفسه التي هي اعدى أعدائه ، فإنما يجاهد لنفسه ، لأن ثواب ذلك عائد عليه ، وواصل إليه دون الله تعالى (إِنَّ اللهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ) غير محتاج إلى طاعتهم ، فلا يأمرهم ولا ينهاهم لمنفعة ترجع إليه بل لمنفعتهم (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ) التي اقترفوها قبل ذلك (وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ) أي يجزيهم بأحسن أعمالهم ، وهو ما أمروا به من العبادات والطاعات والمعنى : لنكفرن سيئاتهم السابقة منهم في حال الكفر ، ولنجزينهم بحسناتهم التي عملوها في الإسلام ، ولما أمر سبحانه بمجاهدة الكفار ومباينتهم بيّن حال الوالدين في ذلك فقال : (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ) أي أمرناه أن يفعل بوالديه (حُسْناً) وألزمناه ذلك. ثم خاطب سبحانه كل واحد من الناس فقال : (وَإِنْ جاهَداكَ) أي وإن جاهداك أبواك أيها الإنسان ، وألزماك واستفرغا مجهودهما في دعائك (لِتُشْرِكَ بِي) في العبادة (ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) أي وليس لأحد به علم (فَلا تُطِعْهُما) في ذلك ، فأمر سبحانه إطاعة الوالدين في الواجبات حتما ، وفي المباحات ندبا ، ونهى عن طاعتهما في المحظورات ، ونفى العلم به كأنه كناية عن تعريه من الأدلة ، لأنه إذا لم يكن عليه حجة ودليل لم يحصل العلم به فلا يحسن اعتقاده (إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ) أي إلى حكمي مصيركم (فَأُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) أي أخبركم بأعمالكم فأجازيكم عليها. وروي عن بهر بن أبي حكيم عن أبيه عن جدّه قال : قلت للنّبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم : يا رسول الله من أبرّ؟ قال : أمّك قلت : ثم من؟ قال : ثم أمّك ، قلت : ثم من؟ قال : ثم أمك قلت : ثم من؟ قال : ثم أباك ، ثم الأقرب فالأقرب. وعن أنس بن مالك عن النّبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : الجنة تحت أقدام الأمهات. ثم قال سبحانه (وَالَّذِينَ آمَنُوا) أي صدقوا بوحدانية الله تعالى ، وإخلاص العبادة له (وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ) أي في زمرتهم وجملتهم في الجنة. ولما ذكر سبحانه خيار المؤمنين عقّبه بذكر المنافقين (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ) بلسانه (فَإِذا أُوذِيَ فِي اللهِ) أي في دين الله ، أو في ذات الله (جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذابِ اللهِ) والمعنى : فإذا أوذي بسبب دين الله رجع عن الدين مخافة عذاب الناس ، كما ينبغي للكافر أن يترك دينه مخافة عذاب الله ، فيسوي بين عذاب فإن منقطع ، وبين عذاب دائم غير منقطع أبدا لقلة تمييزه ؛ وسمي أذية الناس فتنة لما في احتمالها من المشقة (وَلَئِنْ جاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ) يا محمد ، أي ولئن جاء نصر من الله للمؤمنين ، ودولة لأولياء الله على الكافرين (لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ) أي ليقولن هؤلاء المنافقون للمؤمنين : إنا كنا معكم على عدوّكم طمعا في الغنيمة ، ثم كذّبهم الله فقال : (أَوَلَيْسَ