الطائف (سُبْحانَ اللهِ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ) أي تقدّس وتنزّه عن أن يكون له شريك في خلقه واختياره. ثم أقام سبحانه البرهان على صحة اختياره بقوله : (وَرَبُّكَ يَعْلَمُ ما تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَما يُعْلِنُونَ) أي وربك يعلم ما يخفونه وما يظهرونه فإليه الاختيار ، وفي هذا دلالة على أن من لا يعلم السر والجهر فلا اختيار إليه. ثم أكد سبحانه ذلك بقوله (وَهُوَ اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) لا يستحق العبادة سواه (لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولى وَالْآخِرَةِ) أي له الثناء والمدح والتعظيم على ما أنعم به على خلقه في الدنيا والعقبى (وَلَهُ الْحُكْمُ) بينهم بما يميز به الحق من الباطل قال ابن عباس يحكم لأهل طاعته بالمغفرة والفضل ولأهل معصيته بالشقاء والويل (وَإِلَيْهِ) أي وإلى جزائه وحكمه (تُرْجَعُونَ).
٧١ ـ ٧٥ ـ ثم بيّن سبحانه ما يدلّ على توحيده فقال لنبيّه صلىاللهعليهوآلهوسلم (قُلْ) يا محمد لأهل مكة الذين عبدوا معي آلهة تنبيها لهم على خطئهم (أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَداً) أي دائما (إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ) لا يكون معه نهار (مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللهِ يَأْتِيكُمْ بِضِياءٍ) كضياء النهار تبصرون فيه ، فإنهم لا يقدرون على الجواب عن ذلك إلا بأنه لا يقدر على ذلك سوى الله ، فحينئذ تلزمهم الحجة بأنه لا يستحق العبادة غيره (أَفَلا تَسْمَعُونَ) أي أفلا تقبلون ما وعظتم به وقيل أفلا تسمعون ما بيّنه الله لكم من أدلته وتتفكرون فيه (قُلْ) يا محمد لهم (أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللهُ عَلَيْكُمُ النَّهارَ سَرْمَداً) أي دائما (إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ) لا يكون معه ليل (مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ) أي تستريحون فيه من الحركة والنصب (أَفَلا تُبْصِرُونَ) أي أفلا تعلمون من البصيرة وقيل : أي أفلا تشاهدون الليل والنهار وتتدبرون فيهما فتعلموا أنهما من صنع مدبر حكيم؟ ثم قال : (وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ) أي ومن نعمته عليكم ، وإحسانه إليكم ان جعل لكم الليل والنهار (لِتَسْكُنُوا فِيهِ) أي في الليل (وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ) أي في النهار (وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) نعم الله في تصريف الليل والنهار وفي سائر أنواع النعم (وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ) مضى تفسيره فإنما كرّر ذكر النداء للمشركين بأين شركائي تقريعا لهم بعد تقريع وقيل : لأن النداء الأول لتقرير إقرارهم على أنفسهم بالغي الذي كانوا عليه ودعوا إليه ، والثاني للتعجيز عن إقامة البرهان على ما طولبوا به بحضرة الأشهاد (وَنَزَعْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً) أي وأخرجنا من كل أمة من الأمم رسولها الذي يشهد عليهم بالتبليغ وبما كان منهم ، عن مجاهد وقتادة وقيل : هم عدول الآخرة ولا يخلو كل زمان منهم يشهدون على الناس بما علموا (فَقُلْنا هاتُوا بُرْهانَكُمْ) أي حججكم على صحة ما ذهبتم إليه (فَعَلِمُوا أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ) أي فبهتوا وتحيّروا لما لم يكن لهم حجة يقيمونها ، وعلموا يقينا أن الحق ما أنتم عليه وما أنزله الله ، وان الحجة لله ولرسوله ، فلزمتهم الحجة لأن المشهود عليه إذا لم يأت بمخلص عن بينة الخصم توجهت القضية عليه ولزمه الحكم (وَضَلَّ عَنْهُمْ) أي ذهب عنهم (ما كانُوا يَفْتَرُونَ) من الكذب ، وبطل ما عبدوه من دون الله تعالى.
النظم
إنما اتصلت هذه الآيات بما قبلها بأنه جرى ذكر معبودي الكفار ، وأنهم لم يغنوا من الله شيئا ، فعقّبه سبحانه بأن وصف نفسه بأنه المنعم المالك للنفع والضر. وقيل : انه لما تقدم ان الحمد لله سبحانه في الدارين ذكر عقيبه ما يوجب الحمد من النعم السابقة وقيل : يتصل بقوله يخلق ما يشاء ويختار ، أي ويختار لعباده ما هو الأصلح لهم والأنفع.
٧٦ ـ ٨٢ ـ (إِنَّ قارُونَ كانَ مِنْ قَوْمِ مُوسى) أي كان من