٦١ ـ ٦٥ ـ لما تقدم ذكر ما أوتوا من زينة الحياة الدنيا عقّبه سبحانه بالفرق بين من أوتي نعيم الدنيا وبين من أوتي نعيم الآخرة ، فقال (أَفَمَنْ وَعَدْناهُ وَعْداً حَسَناً) من ثواب الجنة ونعيمها جزاء على طاعته (فَهُوَ لاقِيهِ) أي فهو واصل إليه ومدركه لا محالة (كَمَنْ مَتَّعْناهُ مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا) من الأموال وغيرها (ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ) للجزاء والعقاب ، والمعنى : أيكون حال هذا كحال ذاك؟ أي لا يكون حالهما سواء لأن نعم الدنيا مشوبة بالغموم ، وتعرض الزوال والفناء ، ونعم الآخرة خالصة صافية دائمة لا تتكدر بالشوب ، ولا تتنقص بالإنقضاء (وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ) أي واذكر يوم ينادي الله الكفار وهو يوم القيامة (فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ) أي كنتم تزعمون في الدنيا أنهم شركاء في الإلهية وتعبدونهم ، وتدّعون أنهم ينفعونكم (قالَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ) أي حق عليهم الوعيد بالعذاب من الجن والشياطين ، والذين اغووا الخلق من الأنس (رَبَّنا هؤُلاءِ الَّذِينَ أَغْوَيْنا) يعنون أتباعهم (أَغْوَيْناهُمْ كَما غَوَيْنا) أي أضللناهم عن الدين بدعائنا إياهم إلى الضلال كما ضللنا أنفسنا (تَبَرَّأْنا إِلَيْكَ) منهم ومن أفعالهم. قال الزجاج : برىء بعضهم من بعض وصاروا أعداء كما قال سبحانه : (الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ) (ما كانُوا إِيَّانا يَعْبُدُونَ) أي لم يكونوا يعبدوننا بل كانوا يعبدون الشياطين الذين زيّنوا لهم عبادتنا (وَقِيلَ ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ) أي ويقال للأتباع : ادعوا الذين عبدتموهم من دون الله وزعمتم أنهم شركائي لينصروكم ، ويدفعوا عنكم عذاب الله وانما أضاف الشركاء اليهم لأنه لا يجوز أن يكون لله شريك ، ولكنهم كانوا يزعمون انهم شركاء لله بعبادتهم إيّاهم (فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ) أي فيدعونهم فلا يجيبونهم إلى ملتمسهم (وَرَأَوُا الْعَذابَ) أي ويرون العذاب (لَوْ أَنَّهُمْ كانُوا يَهْتَدُونَ) جواب لو محذوف تقديره : لو أنهم كانوا يهتدون لرأوا العذاب ، أي لاعتقدوا أن العذاب حق (وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ فَيَقُولُ ما ذا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ) أي ما كان جوابكم لمن أرسل إليكم من النبيين ؛ وهذا سؤال تقرير بالذنب وهو نداء يجمع العلم والعمل معا فإن الرسل يدعون إلى العلم والعمل جميعا فكأنه قيل لهم : ماذا علمتم وماذا عملتم (فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْباءُ يَوْمَئِذٍ) أي فخفيت واشتبهت عليهم طرق الجواب يومئذ فصاروا كالعمي لإنسداد طرق الاخبار عليهم كما تنسد طرق الأرض على العمي وقيل معناه : فالتبست عليهم الحجج عن مجاهد ، وسميت حججهم أنباء لأنها أخبار يخبر بها ، فهم لا يحتجون ولا ينطقون بحجة لأن الله تعالى أدحض حجتهم وأكلّ ألسنتهم فسكتوا فذلك قوله (فَهُمْ لا يَتَساءَلُونَ) أي لا يسأل بعضهم بعضا عن الحجج وقيل : أي لا يسأل بعضهم بعضا عن العذر الذي يعتذر به في الجواب فلا يجيبون.
٦٧ ـ ٧٠ ـ ثم ذكر سبحانه التائبين ، ورغّب في التوبة بعد التخويف فقال : (فَأَمَّا مَنْ تابَ) أي رجع عن المعاصي والكفر (وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً) أي وأضاف إلى إيمانه الأعمال الصالحة (فَعَسى أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ) وإنما أتى بلفظة عسى مع أنه مقطوع بفلاحه لأنه على رجاء أن يدوم على ذلك فيفلح ، وقد يجوز أن يزل فيما بعد فيهلك ، على انه قد قيل : ان عسى من الله سبحانه لفظة وجوب في جميع القرآن (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ) الخيرة اسم من الأخيار أقيم مقام المصدر ، والخيرة اسم للمختار أيضا ومعناه : وربك يخلق ما يشاء من الخلق ، ويختار تدبير عباده على ما هو الأصلح لهم ، ويختار للرسالة ما هو الأصلح لعباده ثم قال : ما كان لهم الخيرة ، أي ليس لهم الإختيار على الله بل لله الخيرة عليهم ؛ وفيه ردّ على المشركين الذين قالوا : لو لا نزّل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم ، فاختاروا الوليد بن المغيرة من مكة ، وعروة بن مسعود الثقفي من