على اذهابه قادرون ، ولو فعلناه لهلك جميع الحيوانات. نبّه سبحانه بذلك على عظيم نعمته على خلقه بإنزال الماء من السماء (فَأَنْشَأْنا لَكُمْ) أي أحدثنا وخلقنا لنفعكم (بِهِ) أي بسبب هذا الماء (جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ لَكُمْ) يا معاشر الخلق (فِيها فَواكِهُ كَثِيرَةٌ) تتفكهون بها (وَمِنْها تَأْكُلُونَ) وإنما خصّ النخل والأعناب لأنها ثمار الحجاز من المدينة والطائف ، فذكرهم سبحانه بالنعم التي عرفوها.
٢٠ ـ ٢٥ ـ ثم عطف سبحانه على ما تقدم فقال (وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْناءَ) أي وأنشأنا لكم بذلك المطر شجرة ، يعني شجرة الزيتون ، وخصّت بالذكر لما فيها من العبرة بأنه لا يتعاهدها انسان بالسقي ، وهي تخرج الثمرة التي يكون منها الدهن الذي تعظم به المنفعة ، وسيناء اسم المكان الذي به هذا الجبل في أصح الأقوال ، وهي اسم حجارة بعينها أضيف الجبل إليها عن مجاهد وقيل : سيناء البركة ، فكأنه قيل : جعل البركة عن ابن عباس وقتادة وقيل : طور سيناء : الجبل المشجر ، أي كثير الشجر عن الكلبي وقيل : هو الجبل الحسن عن عطاء ، وهو الجبل الذي نودي منه موسى عليهالسلام ، وهو ما بين مصر وايلة عن ابن زيد (تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ) أي تنبت ثمرها بالدهن لأنه يعصر من الزيتون الزيت (وَصِبْغٍ لِلْآكِلِينَ) والصبغ ما يصطبغ به من الآدم ، وذلك أن الخبز يلون بالصبغ إذا غمس فيه ، والإصطباغ بالزيت : الغمس فيه للائتدام به ، والمراد بالصبغ : الزيت عن ابن عباس فإنه يدهن به ويؤتدم. جعل الله في هذه الشجرة أدما ودهنا ، فالأدم : الزيتون ، والدهن : الزيت وقد روي عن النّبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم أنه قال الزيت شجرة مباركة فأتدموا به وادهنوا (وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً) أي دلالة تستدلون بها على قدرة الله تعالى (نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِها) أراد به اللبن (وَلَكُمْ فِيها مَنافِعُ كَثِيرَةٌ) في ظهورها وألبانها وأوبارها وأصوافها وأشعارها (وَمِنْها تَأْكُلُونَ) أي من لحومها وأولادها والتكسب بها (وَعَلَيْها) يعني على الإبل خاصة (وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ) وهذا كقوله : (وَحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ) ، أما في البر فالإبل ، وأما في البحر فالسفن. ولما قدّم سبحانه ذكر الأدلة الدالة على كمال قدرته فاتبعها بذكر شمول نعمته على كافة خليقته ، عقّب ذلك بذكر إنعامه عليهم بإرسال الرسل فقال : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ) قيل : إنما سمّي نوحا لكثرة نوحه (فَقالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ) أي أطيعوه ووحّدوه (ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ) بدأ بالتوحيد لأنه الأهم (أَفَلا تَتَّقُونَ) عذاب الله في ترك الإيمان به (فَقالَ الْمَلَأُ) أي الاشراف (الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ ما هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ) أي يتشرف ويترأس عليكم بأن يصير متبوعا وأنتم له تبع ، فيكون له الفضل عليكم (وَلَوْ شاءَ اللهُ) أن لا يعبد شيء سواه (لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً) ولم يرسل بشرا آدميا (ما سَمِعْنا بِهذا) الذي يدعونا إليه نوح من التوحيد (فِي آبائِنَا الْأَوَّلِينَ) أي في الأمم الماضية (إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ) أي حالة جنون (فَتَرَبَّصُوا بِهِ حَتَّى حِينٍ) أي انتظروا موته فتستريحوا منه وقيل فانتظروا افاقته من جنونه فيرجع عما هو عليه وقيل معناه احبسوه مدة ليرجع عن قوله.
٢٦ ـ ٣٠ ـ ثم ذكر سبحانه أن نوحا لما نسبه قومه إلى الجنون ولم يقبلوا منه (قالَ رَبِّ انْصُرْنِي بِما كَذَّبُونِ) أي بتكذيبهم إياي والمعنى : انصرني إهلاكهم (فَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا) أي بحيث نراها كما يراها الرائي من عبادنا بعينه وقيل معناه : بأعين أوليائنا من الملائكة والمؤمنين ، فإنهم يحرسونك من كل من يمنعك منه (وَوَحْيِنا) أي بأمرنا وإعلامنا إياك كيفية فعلها (فَإِذا جاءَ أَمْرُنا وَفارَ التَّنُّورُ فَاسْلُكْ فِيها) أي فأدخل في السفينة (مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ) أي قلنا لنوح عليهالسلام لما فار الماء من التنور : احمل في