وإنما أعاد ذكر الصلاة تنبيها على عظم قدرها ، وعلوّ رتبتها عنده تعالى (أُولئِكَ هُمُ الْوارِثُونَ) معناه : ان من كانوا بهذه الصفات ، واجتمعت فيهم هذه الخلال ، هم الوارثون يوم القيامة منازل أهل النار من الجنة ، فقد روي عن النّبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم أنه قال : ما منكم من أحد إلا له منزلان : منزل في الجنة ، ومنزل في النار ، فإن مات ودخل النار ورث أهل الجنة منزله. ثم وصف الوارثين فقال : (الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ) وهو اسم من أسماء الجنة عن الحسن ولذلك أنّث فقال : (هُمْ فِيها خالِدُونَ) وقيل : هو اسم لرياض الجنة عن مجاهد.
١٢ ـ ١٩ ـ ثم قال سبحانه على وجه القسم (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ) المراد بالإنسان ولد آدم عليهالسلام ، وهو اسم الجنس فيقع على الجميع ، وأراد بالسلالة الماء يسل من الظهر سلا ، من طين ، أي من طين آدم لأنها تولدت من طين خلق آدم منه (ثُمَّ جَعَلْناهُ) يعني ابن آدم الذي هو الإنسان (نُطْفَةً فِي قَرارٍ مَكِينٍ) يعني الرحم مكن فيه الماء بأن هيّأ لاستقراره فيه إلى بلوغ أمده الذي جعل له (ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً) مفسّر في سورة الحج (فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظاماً) أي جعلنا تلك المضغة من اللحم عظاما (فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً) أي فأنبتنا اللحم على العظام كاللباس. بيّن سبحانه تنقل أحوال الإنسان في الرحم حتى استكمل خلقه لينبّه على بدائع حكمته ، وعجائب صنعته ، وكمال نعمته (ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ) أي نفخنا فيه الروح عن ابن عباس ومجاهد وعكرمة والشعبي والضحاك وقيل هو نبات الشعر والأسنان وإعطاء الفهم (فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ) أي تعالى الله ودام خيره وثبت وقيل معناه : استحق التعظيم بأنه قديم لا يزل ولا يزال ؛ لأنه مأخوذ من البروك الذي هو الثبوت ، وقال : (أَحْسَنُ الْخالِقِينَ) لأنه لا تفاوت في خلقه ، وأصل الخلق التقدير ، يقال : خلقت الأديم إذا قسته لتقطع منه شيئا ، وقال حذيفة في هذه الآية : تصنعون ويصنع الله وهو خير الصانعين (ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذلِكَ) أي بعد ما ذكرنا من تمام الخلق (لَمَيِّتُونَ) عند انقضاء آجالكم (ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ تُبْعَثُونَ) أي تحشرون إلى الموقف والحساب والجزاء ، أخبر الله سبحانه أن هذه البنية العجيبة المبنية على أحسن اتقان وإحكام تنقض بالموت لغرض صحيح وهو البعث والإعادة ، وهذا لا يمنع من الاحياء في القبور ، لأن اثبات البعث في القيامة لا يدل على نفي ما عداه ، ألا ترى أن الله سبحانه أحيا الذين أخرجوا من ديارهم وهم ألوف ، وأحيا قوم موسى على الجبل بعد ما أماتهم ، وفي الآية دلالة على فساد قول النظام في أن الإنسان هو الروح ، وقول معمر : ان الإنسان شيء لا ينقسم ، وانه ليس بجسم (وَلَقَدْ خَلَقْنا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرائِقَ) أي سبع سماوات كل سماء طريقة ، وسميت بذلك لتطارقها وهو ان بعضها فوق بعض وقيل : لأنها طرائق الملائكة عن الجبائي وقيل : الطرائق الطباق ، وكل طبقة طريقة عن ابن زيد وقيل : ان ما بين كل سمائين مسيرة خمسمائة عام ، وكذلك ما بين السماء والأرض عن الحسن (وَما كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غافِلِينَ) معناه : إذ بنينا فوقهم سبع سماوات أطلعنا فيها الشمس والقمر والكواكب وقيل معناه : ما خلقناهم عبثا بل خلقناهم عالمين بأعمالهم وأحوالهم ، وفي هذا دلالة على أنه عالم بجميع المعلومات ، وفيه زجر عن السيئات ، وترغيب في الطاعات (وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً) أي مطرا وغيثا (بِقَدَرٍ) أي بقدر الحاجة لا يزيد على ذلك فيفسد ، ولا ينقص عنه فيهلك ، بل على ما توجبه المصلحة (فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ) أي جعلنا له الأرض مسكنا جمعناه فيه لينتفع به ، يريد ما يبقى في المستنقعات ، أقرّ الله الماء فيها لينتفع الناس بها في الصيف عند انقطاع المطر (وَإِنَّا عَلى ذَهابٍ بِهِ لَقادِرُونَ) أي ونحن