عليه ، فإنّ الوضوء به جائز ، ولا اعتبار في الغلبة بظهور اللّون ، أو الطعم ، أو الرائحة ، بل بغلبة الأجزاء على حدّ يسلبه اطلاق اسم الماء ...
دليلنا على صحّة ما ذهبنا إليه مع إجماع الفرقة المحقّة ، قوله تعالى : (فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا) فنقلنا من الماء عند فقده إلى التراب من غير واسطة ، والماء الّذي خالطه يسير من زعفران يطلق عليه اسم الماء ، ولا ينتقل مع وجوده إلى التّراب.
وأيضا قوله تعالى : (فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ) (١) عامّ في كلّ مائع يتأتّى الاغتسال به ، إلى أن يقوم دليل على إخراج بعضها.
وليس لأحد أن يدّعي : أنّ يسير الزّعفران إذا خالطه الماء سلبه إطلاق اسم الماء ، وذلك أنّ إطلاق الاسم هو الأصل ، والتّقييد داخل عليه وطار بعده ، كالحقيقة والمجاز ، فمن ادّعى زوال الإطلاق في الماء فعليه الدّليل.
وبعد ؛ فإنّهم يقولون في ذلك : انّه ماء وقع فيه زعفران ولا يضيفونه إليه كما يضيفون الماء المعتصر من الزّعفران إليه.
وممّا يدلّ على أن تغيّر أحد الأوصاف لا معتبر به : أنّ الماء الّذي يجاوره الطّيب الكثير كالمسك وغيره ، قد تتغيّر رائحته بمجاورة الطّيب ، ومع هذا فلا خلاف في جواز الوضوء به (٢).
[الخامس : قال الناصر رحمهالله :] «ولا يجوز الوضوء بشيء من الأنبذة».
عندنا : أنّ الوضوء بشيء من الأنبذة لا يجوز ، لا النّيّة منها ، ولا المطبوخة ، ولا النّقيعة ، وهو مذهب مالك ، والشافعي ، وأبي يوسف وأحمد بن حنبل وداود (٣).
وأجاز أبو حنيفة التّوضّؤ بنبيذ التمر المطبوخ الشّديد عند عدم الماء (٤).
__________________
(١) سورة المائدة ، الآية : ٦.
(٢) الناصريات : ٧٣.
(٣) المغني (لابن قدامة) ، ١ : ٩.
(٤) بداية المجتهد ، ١ : ٣٤.