فإن قيل : كيف يصحّ أن يكون ما اقتضاه الخبر غير ثابت في الحال مع ما يروى من قول عمر : «أصبحت مولاي ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة» وظاهر قوله : «أصبحت» يقتضي حصول الأمر في الحال؟
قلنا ليس في قول عمر : «أصبحت مولاي» ، ما يقتضي حصول الإمامة في الحال ، وإنما يقتضي ثبوت استحقاقها في حال التهنئة وإن كان التصرف متأخرا ، وليس يمتنع أن يهنأ الإنسان بما يثبت له استحقاقه في الحال وإن كان التصرف فيه يتأخّر عنها ؛ لأن أحد الملوك والأئمة لو استخلف على رعيّته من يقوم بأمرهم إذا غاب عنهم أو توفي لجاز من رعيّته أن يهنئوا ذلك المستخلف بما ثبت له من الاستحقاق وإن لم يغب الملك ولا توفي ، وهذه الجملة تأتي على كلامه في الفصل.
قال صاحب الكتاب بعد سؤال أورده وأجاب عنه لا يسئل عن مثله : «فإن قيل : كيف يجوز أن يريد صلىاللهعليهوآلهوسلم ذلك؟ وقد تبيّن من حاله من قبل بل من حال غيره ما يوجب الموالاة؟ وكيف يجمع الناس لمثل ذلك والحال ما قلنا؟» ثم قال : «قيل له : قد بيّنا أن هذه المرتبة تفوق مرتبة الإمامة ، وأن الإمامة إنّما يشرف للوصول بها إلى هذه المنزلة فلا يمتنع أن يجمع له صلىاللهعليهوآلهوسلم لذلك الناس وليظهر هذه المنزلة له ، ولو قيل : إنّ جمعه عليهالسلام الناس عند هذا الخبر يدلّ على ما قلناه ؛ لأنّه من أشرف المنازل لكان أقرب ، وقد بيّنا أن في الخبر من إبانة فضله ما لم يظهر لغيره ، وهو القطع على أن باطنه كظاهره فيما يوجب الموالاة ، وأنه لا يتغيّر على الدوام ، وذلك لم يثبت لغيره ولا يثبت بسائر الأخبار له ؛ لأن المرويّ في هذا الباب من الأخبار لا يخلو من وجهين ، اما أن يقتضي الفضل (١) في الحال ، وامّا أن يقتضي علاقة العاقبة ، وامّا أن يقتضي ما ذكرناه فغير حاصل إلّا في هذا الخبر ، على أنه لو كان حاصلا في غيره كان لا يمتنع أن يجمع الناس له ليؤكد هذا الأمر ، ويبيّن الحال فيه بيانا شافيا ظاهرا ، كما أن من خالفنا
__________________
(١) في المغني «الفعل».