يقال له : قد دلّلنا على أن المراد باللفظ الأول الذي هو (الَّذِينَ آمَنُوا) أمير المؤمنين عليهالسلام وإن كان لفظ جمع ، واللفظ الثاني الذي هو «يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة» إذا كان صفة للمذكور باللفظ الأول ، فيجب أن يكون المعنيّ بهما واحدا ، ولم نعتمد في أنه عليهالسلام المخصوص بقوله تعالى : (وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ) دون غيره على نقل الخبر ، بل اعتمدنا الخبر في جملة غيره من الوجوه في الدلالة على توجّه الآية إليه عليهالسلام واعتمدنا في أنه عليهالسلام المتفرّد بها دون غيره على الوجهين اللذين قدّمناهما.
فأمّا حمله لفظة الركوع على التواضع فغلط بيّن ؛ لأنّ الركوع لا يفهم منه في اللغة والشرع معا إلّا التطأطؤ المخصوص دون التواضع والخضوع ، وإنّما يوصف الخاضع بأنه راكع على سبيل التشبيه والمجاز ، لما يستعمله من التطامن وترك التطاول.
قال صاحب الكتاب «العين» : «كلّ شيء ينكبّ لوجهه فيمسّ بركبتيه الأرض أو لا يمسّ بعد أن تطأطأ رأسه فهو راكع وأنشد للبيد (١) :
أخبر أخبار القرون التي مضت |
|
أدبّ كأني كلما قمت راكع |
وقال صاحب الجمهرة : الراكع الذي يكبو على وجهه ، ومنه الركوع في الصلاة قال الشاعر :
وأفلت حاجب فوت العوالي |
|
على شقاء تركع في الظراب |
أي يكبو على وجهها».
وإذا ثبت أن الحقيقة في الركوع ما ذكرناه لم يسغ حمله على المجاز لغير ضرورة.
ويقال له : في قوله : «ليس من المدح إيتاء الزكاة مع الاشتغال بالصلاة ، وأن الواجب على الراكع أن يصرف همّته إلى ما هو فيه» إنّما لا يكون ما ذكرته
__________________
(١) البيت من قصيدة للبيد بن ربيعة مطلعها :
بلينا وما تبلى النجوم الطوالع |
|
وتبقى الجبال بعدنا والمصانع |