إعلان الثبات على نهج الاستقامة
وهذه خاتمة المطاف في السورة ، حيث أراد الله أن يوجّه نبيه للإعلان عن ثبات موقفه على الخط الذي أراد له أن يسير ويثبت عليه ، بالرغم من كل التحديات والصعوبات والخصومات.
(قُلْ هذِهِ سَبِيلِي) وطريقي وسنتي ، التي أسير عليها دون خوف ولا وجل ولا تراجع ، وتتلخّص في خط واحد تتفرّع منه كل الخطوط الأخرى في حركة الإنسان في الحياة ، (أَدْعُوا إِلَى اللهِ عَلى بَصِيرَةٍ) في وعي عميق للدعوة ، وفي علم واسع بالرسالة ، والدعوة إلى الله هي دعوة إلى الخير كله الذي يدعو الله إليه ، وإلى العدل كله الذي يأمر به عباده ، وإلى الحقّ كله الذي يثبت به أولياءه ... وهكذا تختصر الحياة كلها في كلمة على نهج الآية الكريمة : (أَلا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقاءِ رَبِّهِمْ أَلا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ) [فصّلت : ٣٠] فالدين كلمة واحدة تتلخّص في ربوبية الله للإنسان ، والاستقامة على إيحاءات هذا الشعار ومعناه. وإذا كان الإنسان يدعو إلى الله ، فإن الدعوة إلى الله تنفي الدعوة إلى غيره ، في الفكر والمنهج والحياة ، فلا يمكن الدعوة إلى مخلوق إلّا لارتباطه بالله ، والتزامه بخطه وعبوديته له ؛ وهذا هو التوحيد الخالص الذي يؤكد ضرورة مرور كل شيء بالله في نطاق العلاقات العامة والخاصة ، وهذا ما يجب أن يعلنه كل داعية بناء على ما أراد الله لنبيه أن يقوله : (أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي) تعظيما له من كل سوء ومن كل شريك ، (وَسُبْحانَ اللهِ وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) الذين يدعون إلى غيره.
(وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرى) فلم تكن بدعا من الرسل بل أنت واحد منهم في الصورة ، وفي الدعوة ، وفي خط السير ، وفي وحي الله لك ، وفي انتسابك إلى هذه القرى البسيطة التي ينتسب إليها