حوله من أولاده الباقين معه ، أو للناس الذين يحيطون به (إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ) وأحسّ بها ، كما لو كان إلى جانبي ، (لَوْ لا أَنْ تُفَنِّدُونِ) أي تسفهون رأيي وتنسبونني إلى الخرف وضعف الرأي. وربما كان المراد من إحساسه بريح يوسف ظاهرها ، وهي الرائحة التي يحملها الثوب ، فتكون القضية على وجه الإعجاز ، لأن المسافة بين المكانين ، هي مسيرة ثمانية أيام أو عشرة ؛ وربما يكون الأمر على سبيل الكناية في ما كان يفكر به من قرب لقائه به ، في حالة من حالات الصفاء الفكري والروحي تؤهله لأن يحسّ بالشيء كما لو كان معه ، ينظر إليه ، ويشمّ رائحته ... وقد يكون هذا الاحتمال أقرب إلى جوّ الآية الثانية ، لأن الأمر لو كان على حسب الظاهر ، لكان مثار استغراب بطبيعته ، أكثر مما يكون مستغربا بمدلوله ، والله العالم.
(قالُوا تَاللهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ) الذي لا زلت مصرّا عليه في اعتقادك بحياة يوسف ، وقرب لقائك به دون أن تلتفت إلى خطأ هذا التصور ، لأنه لو كان حيا لجاء منه خلال هذه المدة الطويلة خبر ، فمن غير الطبيعي أن تنقطع أخباره ، وهو على قيد الحياة. وسكت على مضض ، وسكتوا على انفعال ، وجاءت القافلة بالمفاجأة الصارخة ، ووصل البشير يحمل قميص يوسف ... (فَلَمَّا أَنْ جاءَ الْبَشِيرُ أَلْقاهُ عَلى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيراً) وعادت إليه نعمة البصر ، وفرح الحياة في ما أراد الله أن ينعم به على يعقوب من فرحة الشعور بحياة يوسف من جهة ، ورؤيته إياه ، بردّ بصره ، على وجه الإعجاز من جهة أخرى .. (قالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ) في ما أؤمله من رحمة الله ، وفي ما استشعره من لطفه ورضوانه ، مما يجعلني لا أفقد الأمل بأيّ شيء من أمور الحياة في ما يختزنه غيبه ، ولا أجد مجالا لليأس ، حتى لو أحاطت بي المشاكل من كل جهة ، وفي أكثر من صعيد.
* * *