لهم : من زعيمكم؟. قالوا : ابن الكواء. قال علي : فما أخرجكم علينا؟!. قالوا : حكومتكم يوم صفين!. قال : أنشدكم بالله ، أتعلمون أنَّهم حيث رفعوا المصاحف ، فقلتم نجيبهم إلى كتاب الله. قلت لكم : إنّي أعلم بالقوم منكم ، إنَّهم ليسوا بأصحاب دين ، ولا قرآن ، إنّي صحبتهم ، وعرفتهم ، أطفالاً ، ورجالاً ، فكانوا شر أطفال ، وشر رجال ، إمضوا على حقكم ، وصدقكم ، فإنما رفع القوم هذه المصاحف خديعة ، ودهنا ، ومكيدة ، فرددتم علي رأيي ، وقلتم : لا ، بل نقبل منهم؟!.
فقلت لكم : اذكروا قولي لكم ، ومعصيتكم إيّاي ، فلما أبيتم إلّا الكتاب ، اشترطت على الحكمين أن يحييا ما أحيى القرآن ، وأن يميتا ما أمات القرآن ، فإن حكما بالقرآن ، فليس لنا أن نخالف حكماً يحكم بما في القرآن ، وإن أبيا ، فنحن من حكمهما براء.
قالوا : فخبَّرنا ، أتراه عدلاً تحكيم الرجال في الدماء؟!. فقال : إنّا لسنا حكّمنا الرجال ، إنَّما حكمنا القرآن ، وهذا القرآن إنَّما هو خط مسطور بين دفتين ، لا ينطق ، إنَّما يتكلم به الرجال. قالوا : فخبرنا عن الأجل ، لم جعلته فيما بينك وبينهم؟!. قال : ليعلم الجاهل ، ويتثبت العالم ، ولعل الله عزوجل يصلح في هذه الهدنة ، أدخلوا مصركم رحمكم الله» (١).
أبان الإمام علي عليهالسلام للقوم سلامة موقفه ، وأبطل بحججه ما علق في أذهانهم من شبهات ، وأرشدهم لما فيه الصواب ، وأوضح لهم أن ما نقموا عليه من أمور ، كانوا هم السبب لها ، إذ أكرهوه على المهادنة والتحكيم ، فأظهروا له الرضا ، ودخلوا الكوفة ، وقلوب قسم منهم على ما كانت عليه من الخلاف له ، فكانوا فريقين : فريق اهتدى إلى الصواب ، فدخل في الطاعة ، وفريق بقي على غيِّه ، أضمر
__________________
(١) تاريخ الأمم والملوك ٤ / ٤٧.