الشر ، فصمم على العصيان ، والعدوان على الأمة ، ولم يخفَ على الإمام علي عليهالسلام ذلك ، فما برح يسدي لهم النصح في خطبه ، ويقيم الحجج والبراهين الواضحة على سلامة موقفه ، ويدعوا إلى وحدة الأمة ، مستغلاً كل مناسبة عله يهدي بنصحه أحداً منهم ، لينقذه من النار.
لم ينتفع الخوارج بنصح ، ولم تنفع معهم موعظة ، ولم يذعنوا لحجة ، فأخذوا يتسللون من الكوفة ، فخرجوا إلى النهروان قرب المدائن ، وعاثوا في الأرض فساداً ، واستحلوا الدماء والأموال ، ولم يسع الإمام علي عليهالسلام أن يدع الخوارج يقتلون وينهبون بلا رادع ، فخرج بجيشه لملاحقتهم ، فوصل إلى النهروان ، وأعذر لله تعالى في الخوارج بالنصح والإرشاد ، ثم طلب منهم أن يسلموه القتلة ، ليمضي فيهم حكم الله تعالى ، ويرجعوا إلى ما خرجوا منه ، ولا يشتتوا شمل الأمة ، اهتدت جماعة أخرى من الخوارج ، فانضموا إلى جيشه ، وأصرّ الباقون على الغي والضلال ، وأبوا تسليم الجناة ، وأقروا له : بأنَّهم جميعاً مشتركون في القتل ، وما جرى من الفساد في الأرض ، فناجزهم القتال ، واسفرت المعركة عن قتل عدد كبير منهم ، إذ لم يبق منهم سوى عشرة رجال هربوا.
لقد شقي أهل الضلال ، الذين أصروا على الخلاف ، واتباع الهوى ، فخسروا الدنيا والآخرة ، وهم مخلدون في النار ، لخروجهم على إمام زمانهم ، ولسوء عقيدتهم ، ولما ارتكبوا من شق الصف ، والقتل ، والنهب ، وأمّا الذين وعوا نصائح الإمام علي عليهالسلام ، وتدبروا حججه وما جاء به من براهين واضحة ، فعادوا إلى رشدهم ، وأعلنوا التوبة عما بدر منهم من خلاف ، ودخلوا في طاعة من فرض الله تعالى طاعته ، وولايته ، وهؤلاء كسبوا الدنيا ، إذ أنجوا أنفسهم من القتل ، وسعدوا في الآخرة لأنَّ : «التائب من الذنب كمن لا ذنب له» (١).
__________________
(١) الجامع الصغير ١ / ٥١٩.