وليخدعهم ، فقال لهم : (إنَّما قتله من أخرجه) يخدع بذلك طغام الشام (١) ، وما أظن هذه الحيلة تنطلي على ذي لب ، ولكن القوم حليت الدنيا بأعينهم ، فاتبعوا الهوى ، ونصروا الباطل ضد الحق.
وكما اشتهر أمر الحديث في جيش معاوية اشتهر في جيش الإمام علي عليهالسلام حتى غالى بعضهم ، فادعى أنَّ الصحابة إنَّما قاتلوا معه لوجود عمار في جيشه ، وأنَّ خزيمة بن ثابت ـ ذا الشهادتين ـ حضر الجمل وصفين وهو لا يسل سيفاً ، ينظر من يقتل عماراً ليعرف الفئة الباغية (٢) ، وهذا بعيد عن الواقع ؛ لأنَّ خزيمة بن ثابت رجل ذو بصيرة ، وهو يعرف أنَّ الحق مع علي ، ويميِّز بين دعوة الحق ، ودعوة الضلال ، وكيف يشتبه الأمر بين من ثبتت إمامته بالنص ، وتمت له البيعة ، وبين من نكث البيعة ، وتمرد على الخليفة الشرعي ، هذا وإنَّ مقتضى الحال أن تعرف استقامة عمار ، ولزومه الحق من متابعته للإمام علي عليهالسلام ، ومن يذهب إلى عكس ذلك فهو مدفوع إمّا بالتعصب أو الجهل.
جاهد عمار بن ياسر بين يدي الإمام علي عليهالسلام ، وحرّض على القتال معه حتى استشهد ، واختلف فيمن قتله ، فقيل : قتله أبو العادية الفزاري ، وقيل : شاركه غيره ، وقيل غير ذلك ، ولكن المشهور والذي عليه رواية الإمام علي الهادي عليهالسلام هذه أنَّ الذي تولى قتله هو أبو العادية الفزاري.
روى البلاذري بإسناده إلى حنظلة بن خويلد ، قال : بينما أنا عند معاوية ، إذ
__________________
(١) الإمامة والسياسة ١ / ١١٠ ، البداية والنهاية ٧ / ٢٩٨ ، شرح نهج البلاغة ٨ / ٢٦ ، وقعة صفين ٢٤٣.
(٢) أسد الغابة ٤ / ٤٧ ، الإصابة ٢ / ٢٤٢ ، تاريخ مدينة دمشق ١٦ / ٣٧٠ ، ٤٣ / ٤٧١ ، الطبقات الكبرى ٣ / ٢٥٩ ، المستدرك ٢ / ٢٤٠.