وعندما نظر إلى راية أهل الشام مع عمرو بن العاص ، قال : (لقد قاتلت هذه الراية ثلاثاً مع رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وهذه الرابعة ، وما هي بأبر ولا أتقى) (١) ، ولعل خير ما يوضح لنا رسوخ عقيدته ، وبصيرته في قتال أهل الشام قوله : (اللهم إنَّك تعلم أنّي لو أعلم أنَّ رضاك في أن أقذف بنفسي في هذا البحر ، لفعلته ، اللهم إنَّك تعلم لو أنّي أعلم أنَّ رضاك في أن أضع ضبَّة سيفي في صدري ، ثمَّ أنحني عليها حتى تخرج من ظهري ، لفعلت ، وإنّي لا أعلم اليوم عملاً هو أرضى لك من جهاد هؤلاء الفاسقين ، ولو أعلم أنَّ عملاً من الأعمال هو أرضى لك منه لفعلته) (٢).
وكان عمار كلما شدَّ على القوم يرتجز قائلاً (٣) :
نحن ضربناكم على تنزيله |
|
فاليوم نضربكم على تأويله |
ضرباً يزيل الهام عن مقيله |
|
ويذهل الخليل عن خليله |
أو يرجع الحق إلى سبيله
وبينما كان عمار يخوض غمار الحرب ، يقارع الأبطال ، وينازل الأقران ، أصابه جهد ، وأحس بعطش شديد ، فاستسقى ، فسقي ضياح من لبن ، وعندما نظر إليه تذكر ما أخبره به الرسول المصطفى صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فصاح : الله أكبر ، وراح يردد الحديث النبوي الشريف : «آخر شرابك من الدنيا ضياح من لبن ، وتقتلك الفئة
__________________
(١) أنساب الأشراف ٣١٧ ، تاريخ الأمم والملوك ٤ / ٢٨ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٣ / ٣٦٢ ، شرح نهج البلاغة ٥ / ٢٥٧ ، المستدرك ٣ / ٣٨٤ ، مسند أحمد ٤ / ٣١٩ ، المناقب ١٩٥ ، وقعة صفين ٣٢١.
(٢) تاريخ الأمم والملوك ٤ / ٢٦ ، شرح نهج البلاغة ٥ / ٢٥٣ ، وقعة صفين ٢٢٠.
(٣) أنساب الأشراف ٣١٠ ، شرح نهج البلاغة ١٠ / ١٠٤ ، المناقب ٢٣٣ ، وقعة صفين ٣٤١.